لو تفتح مغارات صدورنا طواعية دون الحاجة إلى مشرط ومقصّ،لنطمئن على قلوبنا التي أتعبتها الأحداث ،نمسح دموعها ،نهدئ من ارتجافاتها ،نضع لاصقاً طبياً على طعناتها ، نقرأ الرقية وشوشة ً على الأذين الأيمن ،نمسح سناج الأخبار العالقة على الجدار ، ثم نغلق باب المغارة على الحجرة المعتمة ونتركه يعمل من جديد..
قلبي متعب وينبض أبطأ مما كان عليه قبل سنوات ، المسألة لا تحلّها «قسطرة» أو تركيب «شبكات» ، المداخلات الجراحية قد ترمم اللحم والدم ، لكنها لا ترمم الضمير والوجع..قلبي متعب بترسبّات عاطفية وتصلبّات وطنية تجرّعتها رغماً عني ،منذ وسّدوني الراديو في بيتنا القديم ،وأخبار فلسطين تقطر دماًً ودمعاً في الفؤاد ، وعندما توجّعت بغداد طوال ثماني سنين في حربها الأولى ،ظل القلب يمضغ النصر والمقاومة و»الفوتيك» العربي ، وعندما سقطت عراقنا ذات نيسان ،لاذ في القلب تمثال الرشيد وقوس النصر وأبو جعفر المنصور وحدائق بابل وحمورابي ،لاذ في القلب بكاء الأمهات وسعف النخل البغدادي وعطر البصرة و «نواح» كربلاء ، لاذ في القلب «طارق أيوب» ،ومشهد الهزيمة، وكل الدبابات العراقية المعطلة..كم سيحتمل هذا القلب من لاجئين ومدن وعواصم غارقة، كم سيحتمل من صفحات جرائد ونشرات أخبار ،وأكفان مرّقمة..
صدقوني أنني بحاجة إلى ترميم عاجل ينقذ هذا الوجع العربي من صدري..لم يقف هذا «النخز» عند عاصمتين فقط ، صنعاء بحواضرها بجثث الأطفال المنهكة بالكوليرا ،بالمآتم المقصوفة جواً،بالجوع المنثور أرضاَ هي أيضا ترّسبت بكل مآسيها ،طرابلس وبيروت حضرتا بوجعهما ذات حرب ، وليس أخراً «حمزة الخطيب» فتح القلب على مصراعيه ،ركل الأسلاك الشائكة برجليه وأدخل دمشق الحبيبة بكل تفاصيلها ،أدخل ألاف الشهداء بدمائهم وهتافاتهم الحية ،وأدخل ألاف اللاجئين بخيامهم ، أدخل الانكسار العربي بفتاته وشظاياه الكثيرة ، فاتّكأت مئذنة الأموي على جامع الأمام الأعظم ،وتبعثرت مقتنيات سوق الحميدية على سوق الصفافير، وضاق الصدر بالعواصم الراحلة إليه..صدقوني أن هذا القلب بحاجة الى ترميم عاجل ،يفتح الآمال المسدودة، يستأصل خيبات الإصلاح الكثيرة ، ويرفو جداره بورقة ياسمين..هل من نطّاس حاذق يخرج الحزن من مضغة الوجع ويترك العواصم..فقط أخرجوا الحزن مني واتركوا المدن المضاءة في قلبي تغني للحبّ!.
الرأي