نيسان ودمشق والغرب والعروبة
د.مهند مبيضين
15-04-2018 01:02 AM
بين نيسان 2003 ونيسان 2018 ضربات جوية أمريكية غربية على بغداد ودمشق، ولدمشق نصيب الجديد منها، ضربة كانت قبل عام على مطار الشعيرات وانفردت بها أمريكا، والثانية أول أمس بشراكة بريطانية فرنسية.
عدد الصواريخ لا يهم، المهم تخلي الحلفاء واكتفاؤهم بشجب جنون ترامب، هنا كان على الأسد أن يدرك بأن حليفه الوحيد هو شعبه لو أنه آمن به واستجاب إلى مطالبه قبل سبعة أعوام، ليحول دون أن تصبح سوريا ملعباً لكل شياطين الأرض كي يهاجروا إليها بحجة الجهاد.
كلّ نيسان والمدن بخير، بغداد سقطت في قبضة إيران وأمريكا في ليلة مماثلة، آنذاك صمتت إيران التي تحارب الشيطان الأكبر، واليوم تصمت، أما الروس فاكتفوا بإبلاغ الأسد وحذروه، ثم يخرج الخبر الروسي والإيراني بالاستنكار، والقول بأنّ الأسد رَجل أمريكا وبريطانيا أكثر من كونه رَجلهم.
يخرج الرئيس السوري بعد الضربة سالماً، وتُظهر الشاشات صور ليل دمشق تحت القصف، في ساعة تاريخية بتوقيع أمريكي فرنسي بريطاني مشترك. تُذكّر بليلة التاسع من نيسان حين سقطت بغداد وانتهت إلى خراب، وبتوقيع أممي، على رأسه أمريكا وبريطانيا وإسبانيا أيضاً.
كان عنوان حرب العراق اسقاط صدام، ومعاقبته على الأسلحة الكيماوية، آنذاك لم يكن الروس قادرين على دعمه كما يدعمون الأسد اليوم، وكان الإيرانيون ينتظرون الخلاص منه، لأنه أذاقهم المُر.
الأسد مختلف، أطعمهم عسل الشام وكلّ خيراتها، وأضحت الدولة تحت تصرفهم، والروس الذين أشبعوا العالم تحذيرات من ضربات مباشرة، ورفعوا أيديهم 12 مرة في مجلس الأمن بحق الفيتو لحماية الأسد، لم يشاركوا في صدّ صواريخ ترامب وماكرون وتيريزا ماي، فجأة خرج الدب الروسي وترك الأسد وحيداً يواجه ذئاب الغرب.
الكيماوي والمدن، لعنة القادة الحالمين بالرمزية ومواجهة الإمبريالية، صدام والعراق قَضَيا وجوداً بدعوى الكيماوي، ودمشق وسوريا تقصفان وتدمران بذات الذريعة، وليبيا حوصرت عقداً كاملاً بسببه وانفقت مئات الملايين التي تبني دولة بحجة رفع العقوبات، والسودان قصف بمخاوف مشابهة، هذا الكيماوي لعنة ودرس، لكنه ليس سلاحا، إنما هم رؤساء يختبئون حين القصف ويمارسون بطولاتهم بشكل صبياني، لأنهم رأوا الكرسي أهم من الوطن، فليقصف الوطن حتى يظل الرئيس! ولم ينجُ من لعنة الكيماوي حتى الآن إلا «الوريث العظيم» كيم جونغ أون في كوريا الشمالية.
الرؤساء في الشرق يشبعون الشعوب بطولات ووعودا، ولا يطلقون رصاصة واحدة. والغرب يكتفي بإبلاغ حلفائهم، وجيرانهم بمواقيت القصف، وفي الصباح ينشر فيديو يظهر دخول الرئيس الأسد القصر الجمهوري حاملاً حقيبته، وصوت عصافير دمشق في الحديقة يعلو في صباح دمشقي بامتياز، صوت صفير البلابل أعتقنا من مخاوف كثيرة، لكنه قال لنا بأن الشام جنة الله في الأرض، لا تزال بخير.
مرّ على دمشق فيض من تاريخ الاستبداد والغزاة والحصار والجوائح والنكبات، وسقط الآلاف من الشهداء، وسقط الكثير من الرؤساء، ولكن بقيت دمشق التي كانت قادرة على التجمل والوقوف من جديد وسط مخلفات القصف، وجدل الحلفاء والقادة وبؤسهم.
نيسان ودمشق وبغداد والعروبة، في أكثر أزمنتها وجعاً، لكن الضربة الغربية أول أمس، لن تخرج الأسد، بل ستقويه، وهي رسالة للروس أكثر منها للأسد، ليفهم بوتين أن أمريكا التي لوحت قبل أيام بالخروج والمغادرة، قادرة على فرض حضورها ووجودها على الأرض السورية، وتستدير كيفما تحب وتقول: أنا هنا.
يكتفي الروس بسوريا المفيدة أم لا، أو تكتفي أمريكا بحصتها أم لا، ليس مهماً، خذوا كل ما تريدون، لكن أبقوا على الشام واحدة موحّدة، وعلى دولة سوريا العربية، التي دَفع السوريون كثيراً لأجلها.
الخلاصة، الروس صامتون، يقولون إن شيئاً ما لم يتغير على الميدان، لكن ترامب الذي طالما أزعج الغرب بتصريحاته وفجاجته، استطاع جلب صواريخ فرنسا وبريطانيا معه للشام. وهنا سوف يقتنع الروس أنّ عليهم النظر بزوايا جديدة للأزمة السورية، وربما العودة لمسار جنيف عوضاً عن استانا الذي جلبوا إليه من يحبون، أو وفق مقاسهم المفصّل سلفاً للحضور.
الدستور