-1-
كلما رضع الطفل ما يكفي من أمومة، زادت فرصته في أنْ يكون رجلًا حقيقيًا، مكتمل الرجولة، أما الرجال القساة، المضطربون، القلقون، الممزقون، غير المستقرين، فهم أولئك الذين لم تتح لهم الفرصة للقول بملء الفم: كان لدي أم!
ومنذ أنْ فقدت أمي، أعني حين شعرت باليتم الحقيقي، تحولت إلى باحث عن الأمومة، حيثما وجدت: في الطبيعة، في رسومات الفنانين، وعناق أغصان الشجر لبعضها، وفي لهفات القطة على صغارها، واليمامة على زغاليلها، وبحثت عن الأمومة في كل النساء اللواتي عرفتهن، وأدركت أنَّ الأنثى تزداد أنوثة وفتنة، كلما زادت جرعة الأمومة في كيانيتها، وكلما قلت، تحولت إلى ذكر ولكن بلا رجولة، ولا أنوثة بالطبع!
-2-
تزداد المرأة أنوثة، كلما ازداد منسوب الأمومة فيها!
الأم، مهما كانت درجة تعاطيها مع الحب، هي أجمل النساء، وأروعهن، ولهذا، ربما، نبحث في شخصيات بناتنا وزوجاتنا، عن الأمومة، لنستظل بها، باحثين عن سكينة طَيَّرها اليُتم، حتى ولو جاء على كبَر، ففقدان الأم حتى ولو كنا كهولًا، هو يتم حقيقي من نوع ما!
-3-
في حياة الرجل عِدَّةَ أمهات ...
الأولى أمه التي ولدته، والثانية شقيقته الكبرى التي تحنو عليه، والثالثة زوجته (أو حبيبته حتى أكون صادقا!)، أو قل أمه التي لم تلده، التي تداوي جراحه، ويا لتعاسة الرجل الذي حُرم حنان هذا الثالوث المقدس!
-4-
كان لدي أم!
عبارة أتمتم بها كثيرًا، خاصة حين أفتقد تلك اليد الخشنة، التي كانت تحتضن جبيني المقطب، كلما شعرت برغبة حارقة في أنْ أكون طفلا، يرخي جدائل حزنه على صدر حنون!
ولكن أمي رحلت..
ومع هذا، فالأمهات لا يرحلن حقا،
الأمهات حين يمتن؛ يتحولن إلى فيوضٍ من اللهفة التي تحوم حولنا، ويحرسننا من حماقاتنا،
ألا نهتف بـ «يمة» كلما ألمَّ بنا وجع أو حيرة؟ وكم بدت لي عينا أمي معاتبة حينما أقترف ما يمكن أن يغضبها، فهي معي تحرسني، وتحيط بي أينما وحيثما وكيفما كنت وحللت!!
-5-
وباختصار..
يبحث الرجل عن المرأة .... التي تعيده إلى حضن أمه!
........
داخل النص-
كعادتي، أجمع في ملف «خيبات الأمل»، كل تلك المواقف المؤلمة،(خاصة التي تصدر من الأصدقاء الحميمين!) أزيّنها، وألمّعها، وأعيد ترتيبها، وأحذف منها «خيبات» ملقيًا بها في سلَّة المهملات، وأبقي على «الأمل»!
هكذا علمتني الحجة رحمها الله..
الدستور