لا زلت اذكر جيدا ذاك اليوم بتفاصيله وحضوره بنفسي فكان يوما ولا اجمل ....
وقليلة هي الايام التي نتذوق بها طعم السعادة كاملة لنتصالح مع الايام والزمن بوقتها فتغدو الحياة باجمل مراحلها .....
يوم كان لي موعد مع الامومة التي لطالما سمعت عنها ولكن تبقى شيئاً مخفياً لا يمكن ان ندرك معانياه الا بالتجربة التي تنقلنا الى عالم اخر لم اكن ادرك ان من خلاله تتسع قلوبنا شيئاً فشيئاً ونكتشف اننا نتملك قدرات كبيرة بدءا من المحبة والعطاء والتضحية لم تكن الا لذاك المخلوق الصغير الذي نعشقه قبل ان نراه
ذاك اليوم لا يزال حاضرا بنفسي وذاكرتي التي بدات افقد اشياء كثيرة منها يمحو الزمن بعضا منها ويبقي على الاخر ويبدو لي ان فعل الزمن هذا بنا وبذاكرتنا يمنحنا القدرة على الاستمرار ومجاراة سنوات العمر فان بقيت ذاكرتنا كما هي اصبح صعبا علينا تقبل الواقع كما هو ايضا ...؟
قد لا يعنيك اليوم ما تبقى من ذاكرتي نحوك فهذا شأني الخاص لانك غادرتي عالم الطفولة وتوقفت عن الاستمتاع بقصصي التي كنت ارويها لك بين فترة واخرى عن مراحل ايامك وسنواتك ....
وادركت بان هذه التفاصيل لم تعد تعنيك كثيرا بل تشعرك بالضجر والملل وحدي انا من ارددها بيني وبين نفسي اعيش لحظاتها واستسلم لتلك السعادة التي منحتني اياها محاولة التمسك بها ....
نحن امام الحياة وسنواتها نتوقف مرات ونتساءل كيف كبرنا وكيف كبروا اطفالنا ؟
متى كبروا وودعوا الطفولة هكذا دون ان يستأذنوننا لنهيء انفسنا لمراحل قادمة من اعمارهم ...مراحل غريبة عنا وعن ما اعتدنا عليه منهم لتغدو ايامهم مختلفة احلامهم بصعوبة كبيرة تقترن مع احلامنا.
رؤيتهم للحياة ليست مثلنا .... وكأننا نحيا معهم اليوم في سابق مع الزمن هم يريدون ونحن نريد شيء اخر.
هم يحلمون ونحن نحلم بمكان اخر .... نحاول ان نصل لنقطة التقاء بينا لنجسر المسافات التي تمليها الحياة ويغيرها الزمن ....
لم اتوقف عن محاولاتي هذه بالابقاء على ما بينا جميلا ليس بحكم علاقتي معك كأم فحسب والتي هي اجمل وانقى انواع العلاقات التي عرفها الانسان لكن باقتراب اكثر لعلاقات الصداقة التي تحتاجين اليها انت اليوم اكثر مما مضى فتغيرني تدريجيا لابقي على وجودك بحياتي وجودا جميلا لا يشكل لك عبأ بايامك القادمة.
وهذه مهمة انت قد لا تدركين صعوبتها فان تجمع الام بين مشاعر الامومة بما تحمله من خوف وقلق ورؤية مختلفة بالحياة وبين صديقة تستمع لصديقتها لتجاربها لرؤيتها للعالم لجرأة احلامها ولرغبتها بتكوين شخصية منفصلة تماما عن جزءا من كيانك مهمة لم تكن في اي يوم من الايام سهلة بل كانت تحتاج مني لصبر يفوق قدرتي كأم ولمحاولات مني بان اغير نظرتي للحياة وان احيد تجاربي شيء فشيء لاكون قادرة على فهمك كما ترغبين لقناعتي باني لو رفضت كل ذلك فانك ستختارين طريقا بعيد عني قد تصبح نصيحتي لك مجرد كلمات عابرة لا تستوقفك كثيرا لانك ترين ذاتك اكبر منها .
كنت لك صديقة وأم ولا اعلم ايهما كنت بها اقرب اليك ....
ففي مرحلة ما من العمر نبتعد عن الذين نحبهم بالقدر الذي يمنحنا الاستقلالية وكأننا نعلن انفصالنا عنهم تدريجيا متجاهلين معنى ذلك بحياة من احبونا لاننا نبحث عن انفسنا التي بطريقة او باخرى هي هم ....
وانت كنت جزء من هذه المرحلة اخترتي ان تكوني بها مبكرا ولكني لم اغادرك ولم اقفل ابواب قلبي نحوك لم اغضب ولم اطالبك بان تتكرري حياتي لتعيشيها لاني اؤمن بان هذه حياتك واختياراتك لكنني كأم اتشابه بمشاعري وخوفي مع امهات هذا العالم الى حد كبير بحيث نحاول جمعيا ان نترك لكم حرية الاختيار على ان نبقي على شيء ما امام خيارتكم لا يجردنا بلحظة من خوفنا وبقائنا بجانبكم ولو جاءت خياراتكم مؤلمة لكم ...
اليوم اسمحي لي ان ادعوك صغيرتي وان اقدم لك اعتذاري على محاولاتي للبقاء بايامك بطريقة انت تعتقدين بانها محاولات مني لتبديد معالم شخصيتك ....
فلست انا التي احببتك حب العمر كله من يكون لك صورة لا ترغبين بها بحياتك ...
وليس قلبي من يقوى على ان يكون سببا في ايلامك او حزنك باي يوم من الايام ....
قد نختلف كثيرا وقد تختلف رؤيتنا للحياة وللتجارب وللمساحة التي بقيت لي بحياتك لكنك ستبقين صغيرتي اتدركين انت لماذا لا زالت ذاكرتي تحتفظ بك وانت صغيرة ؟؟؟
اتعلمين لماذا اصر على مناداتك بصغيرتي لان الطفولة مدعاة للعيش بآمان دون خوف من الايام
لان الطفولة لا تتناقض مع اي شيء بالحياة لانها تمنحنا البراءة في عالم يزداد بشاعة يوما تلو الاخر
لان الطفولة هي التي تمنحني القدرة على احتوائك وعلى تحمل كل ما يمكنه ان يسبب لي آلالاما منك.
صغيرتي انا ادرك جيدا ان الانسان يكون باجمل مراحل حياته عندما يكون طفلا باحلامه بصدقه ببرائه بقدرته على التعبير عن مشاعره امام نفسه وامام الاخرين لاجل ذلك فنحن امام الصغار نتاسى كل اخطائهم وعثراتهم نمسك بايديهم كلما تعثروا بحب كبير ونحاول معهم وبهم مرات ومرات ليتعلموا كيف يكبرون ويواجهون الحياة كما هي.
كبرتي مثلي تماما لكن ما بيينا مختلف كلما كبرت انا عاما كلما تجددت احلامي بك مرات ومرات احاول امامها ان اعيد ترتيب احلامي ونفسي كي لا انسى ان هذه حياتك واحلامك وعلى انا ان ابقى خارجها اراقبها من بعيد ولا اقحم نفسي بها .
كبرتي وترفضين انت اليوم انا ادعوك بصغيرتي لكنك ستكتشفين يوما ما ان هذا اللقب هو الاقرب الى قلبي ونفسي .... ستكشفين انا ان أحبك قلوب البشر كلها فقلبي اولهم وان ساندوك البشر جميعهم فان وجودي بايامك مختلف ليس لاختلافي عن الاخرين فحسب بل لاني احببتك وانت جزء مني من قلبي ودمي وكياني ومثل ذاك الحب لا ينبضب ولا يتغير لكنه يكبر بك وبقدرتك على احتوائه وتفهمك لحجمه وقيمته.
اعذرني فتلك حياتك واحلامك وما انا سوى دعوة لك وايمانا بك وبوجودك في حياة انا بها لاكون لك رفيقة ودرباً بدايته انت ونهايته انت .....
الرأي