تغطية قضايا الأطفال في الإذاعة والتلفزيون
د. تيسير المشارقة
12-04-2018 02:37 PM
الطفل الأردني يتعرّض لتغطيات عنيفة في شؤون الحرب والموت والعنف. إقبال أطفالنا على مشاهدة المواد العنيفة تنعكس على سلوكهم. هناك تعلم بالملاحظة . مشاهدة العنف باستمرار يسهّل نزوع الطفل نحو العنف. كيف يمكن تحصين أطفالنا من العنف ومن مشاهدة العنف وتخفيف غواء العنف لديهم؟ هذه المسالة تشغل بالالأخصائيين وخبراء الإعلام. ونحن بحاجة دائمة إلى تعزيز جودة التغطية الإعلامية لكيفية حماية الطفل من العنف.
هناك قوانين وأخلاقيات للعمل المهني الإعلامي في الموضوعات المتعلقة بالطفل، ويلحقها معايير وقواعد ويتبعها أنظمة وتعليمات ومواثيق شرف. وبالرغم من أن القوانين تنص وبشكل حرفي حول منع تعرّض الأطفال للبرامج العنيفة وتضع مقاييس وشروط مشاهدة، إلا أن الكثير من الأعمال التلفزيونية والإذاعية لا تخضع للتقييم والتقييس. وصار "العنف" مسألة غير مدركة وغير معرّفة وهناك تأويلات وتفسيرات كثيرة له.
كثير من العنف الجسدي والمعنوي يتعرّض له الأطفال في عالما العربي. الأمر المهم هو كيف يمكن تحييد الطفل وصرفه عن مشاهد التغطيات الإخبارية العنيفة التي يقع ضحيتها الأطفال (مثال: مشاهدة ضحايا الكيماوي في دوما سوريا مطلع نيسان 2018، ومعظمهم من الأطفال والنساء).
هناك أربع تأثيرات سلبية لمشاهدة برامج التلفزيون ذكرها ب. ألدريتش في دراساته المتعددة. وهذه التأثيرات هي:
ـ التلفزيون وبرامجه يضع الطفل في غرفة خداج (بيت ساخن) ينضجه في غير أوانه .
ـ مرض ال30 دقيقة، ويعني المعادلة التالية : مشكلة +محاولة واحدة= حل فوري وسريع . ففي الحلقة التلفزيونية الواحدة التي تستمر نصف ساعة فقط يمكن حل أكبر المشكلات. وهذا يخلق حالة من الخلل واللاتوازن في التفكير.
فالطفل يظن أن المشكلات مهما كبرت يمكن حلها بسهولة.
ـ التلفزيون يخلق صورة مشوّهة عن الواقع. يُقدم لنا الأحداث من زوايا مختلفة مما يشوّه الواقع.
ـ التلفزيون هو الذي يوهم الطفل بأن الحياة عبارة عن "ترفيه مستمر" ويصطدم لاحقاً بالواقع الأليم الذي يعج بالمشكلات.
نحن بحاجة لتعزيز وتعميق الفهم لما نطلق عليه ((ثقافة الطفل)). وكما هناك تعابير مثل ((الوعي النسوي)) و ((الثقافة السياسية)) التي تعني وعي المواطن لحقوقه. فإننا هنا نقترح تعريفا ممكناً لثقافة الطفل: "ثقافة الطفل هي مجموعة القيم والمعايير والمعتقدات والرموز والمفاهيم والاتجاهات الفكرية والانماط السلوكية التي يكتسبها الطفل خلال عملية التنشئة الاجتماعية ومن خلال الخبرات والممارسات التي يتعرّض لها عبر النظم الاجتماعية كالعائلة ودور العبادة والمدرسة ووسائل الإعلام".
أخطر شيء هو المشاهدة السلبية(سلبية المشاهدة) عند الطفل التي تخلق منه متواطئاً وسلبياً. فالطفل يلجأ مثل الكبار إلى الهروب من الصراعات النفسية والشعور بالفشل بالتوجّه إلى التلفزيون الذي قد يُقدم له الحلول والعون. هذا الأمر يقوده إلى فقدان المبادرة ويحشره في زاوية السلبية بأن يجعل منه متفرجاً فقط.
أخطر التأثيرات السمعبصرية على الطفل تتلخّص في تعطيل الإبداعية لديه وتعطيل قدرته على التخيّل من خلال المشاهدة الساخنة التي تهيمن على الحواس وتخلق لديه ما نطلق نحن عليه "التأثير النائم" أي الموافقة الكاملة على كل ما يقدم إليه من وجبات سمعية وبصرية.
خلاصة الأمر، كثيرة هي التأثيرات السلبية للتلفزيون والإذاعة على أطفالنا ، ولكن لا يجوز إغفال التأثيرات الإيجابية للمشاهدة المقننة والمدروسة، فالتلفزيون يعزز الثقة بالنفس عند الأطفال ويدفعهم لاحترام الآخرين، ويُكسب الأطفال مهارات إجتماعية متعددة، ويُعزز لديهم الشعور بالمسؤولية الاجتماعية ويُنمّي قدراتهم العقلية، ويُخفّف من غلواء النزاعات الاجتماعية ويقضي على الملل، ويزيل الكبت لدى الأطفال باعتبار التلفزيون أداة ترويح في متناول العين دائماً، ويُمكّن ذوي الاحتياجات الخاصة من الإندماج بالمجتمعات ويكسب البعض منهم مهارات حركية يتعلمها من البرامج ذات الإيقاع السريع أو التي تقوم على الحركة.
(د. تيسير مشارقة/جامعة البترا/ كلية الإعلام)