أصحاب الذاكرة القوية يتألمون!
سليمان الطعاني
12-04-2018 01:30 PM
لا تكبل يدي لكيلا أكتب، لا تُسْكِت صوتي لكيلا أعاتب، أترُكْ لي مجالاً أعبر فيه عما أشعر به، لم أكن في يوم من الأيام حجر عثْرة لمن أرادوا أن يتسلقوا سُلَّم النجاح والتفوق، كنت فقط ممن يحب الموزون والمعتدل والجميل منهم! من
ولنا حياة داخلنا تختلف تماما عن الحياة التي يرانا فيها الاخرون! كل يوم أقول لنفسي: لا شيء يستحق أن ترهق نفسك من أجله، تجاهل من يتجاهلك، واهتم بمن يهتم بك، وتخلى عن عادات وعن أفكار. والأبرز من ذلك تخلى عن أشخاص! وتابع سيرك... كن كالعصفور حرا طليقاً واستكشف وجرّب ولا تضع نفسك في قفص الاتهام، ولا تسرف في البحث والتقصّي ومحاولات الفهم والتعمق، وعندما تتوقف عن مطاردة هذه الأشياء في حياتك، فأنك تعطي الفرصة للأشياء الصحيحة للحاق بك!!
هذا ما توسوس به نفسي دائماً، حين يتنكّرَ لي دهـــــــري وتعقُني الأيام، وأبقى وحيداً، وأقول لنفسي: من الممكن لحياتك أن تتغير تماماً للأفضل بمُجرد أن تتعلم كيف تتوقف عن محاولة إرضاء الجميع، والتفكير في الأمور التي لا تستطيع تغييرها، وعندها سيأتيك حلمك من حيث لا تدري!
أصحاب الذاكرة القوية يتألمون! ربما لأنهم ينظرون إلى الأمور بقلوبهم وبصيرتهم، فيجدون أن الخيبة انما تأتي ممن منحوهم جبهم وثقتهم عبر السنين! ويكتشفون أن الندم انما سيطر عليهم بسبب الفرص التي ضيعتْ من بين أيديهم، والعلاقات التي فرّطوا بها ولم يستطيعوا خوضها، والقرارات التي تأخروا كثيرا في اتخاذها. حيث كان عليهم أن يبدأوا أولاً بأول، وأهم من هذا وذاك، أنهم فهموا الحياة في وقت متأخر بسبب طيبتهم النادرة، ولا جدوى من أشياء تأتي متأخرة، فهي تماماً كقُبلة مسامحة على جبين ميت!
يا صاح، إن من أسوأ أنواع المرض أن تبتلى بمخالطة غليظ الفهم، محدود الإدراك، بليد الذوق، لا يفهم ولا يرى سوى نفسه وتاريخه المزيف، تباً له فقد حوى كل العيوب، عندها تشتهي أن تبتعد قليلاً لتنظر من سيخرج للبحث عنك، أو أن تبحث عن رحيل ولا تعرف الى أين!
أصحاب الذاكرة القوية يقودهم الخذلان الى الدرك الأسفل من الحزن يتأمّلون قلوبهم من جديد فيجدون أنهم يبكون ممن كانوا يوماً مصدر بهجتهم! يريدون أن يرحلوا ولكن قلوبهم تأبى، يبحثون عن المكان الذي يختبئ فيه السيئون، فيجدون أن الناس كلهم يتحدثون بمثالية وأن كبيرهم الذي علمهم الكذب قد ارتدى عباءة التمثيل البالية واصطنع لنفسه دورا باهتاً يسلي به نفسه، أصحاب الذاكرة القوية يفرحون مع الناس ولكنهم يحزنون وحدهم، دواء جراحهم الوحيد هو رضاهم بالصبر.
هذا حديث مع النفس، والحديث مع النفس ليس أمراً مجنوناً كما يعتقد البعض، أعتقد أن أنفسنا هي الوحيدة التي تستمع لنا بصدق وإنصات دون تذمر أو مجاملة، سيما وأن جراحنا لا تؤلم أحداً غيرنا وأن بكاء الناس من حولنا لن يفيدنا بشيء، نفسي تحدثني لأن أبقى وفياً لقضيتي رغم كل الظروف.