مراعاة خصوصية الأردن ومصلحته
د. هايل ودعان الدعجة
12-04-2018 11:54 AM
اكثر ما يميز الاردن ، ويجعله متقدما على الكثير من دول المنطقة تحديدا ، سياسته ودبلوماسيته التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني بحكمة واقتدار ، بصورة عززت من حضوره على الساحتين الاقليمية والدولية ، واسهمت في توسيع شبكة علاقاته الخارجية ، بما يمكن اعتباره مصدرا وثروة وطنية استراتيجية ، يعول عليها الاردن كثيرا في تعويض قلة موارده وامكاناته المادية من خلال توظيف هذه الميزة الايجابية وترجمتها الى ادوات واوراق وطنية مكنته من الولوج بعيدا في سياسته وعلاقاته الخارجية .
ما منحه فرصة التواصل والتفاعل مع القوى الاقليمية والدولية وسط اجواء من الاهتمام والاحترام والتقدير ، امكن من خلالها فتح افاق التعاون والشراكة معها في مختلف المجالات . وبدا ان هناك ما يشبه الخصوصية في تعامل هذه القوى مع الاردن ، استنادا الى المكانة العالمية المرموقة التي يحظى بها . الامر الذي انعكس ايجابيا على المصالح الاردنية من خلال دعم مواقفه السياسية ومراعاة ظروفه المالية والاقتصادية ، وترجمة ذلك الى مساعدات مادية ومعنوية في مختلف المجالات ، وفتح الاسواق امام الصادرات والمنتجات الاردنية ، وجذب الاستثمارات وغير ذلك من المزايا والمكتسبات . اضافة الى انعكاس هذه الميزة الاردنية الايجابية على المصالح العربية من خلال توظيفها في خدمة القضايا العربية ودعمها ونصرتها في المحافل الدولية ، وفي مقدمة ذلك القضية الفلسطينية .
وان اكثر ما يميز شبكة العلاقات الاردنية الخارجية شمولها كافة دول العالم ، كالولايات المتحدة وروسيا ودول الاتحاد الاوروبي والدول الاسيوية والافريقية والعربية والخليجية خاصة . وعلى صعيد العلاقات العربية لم يسجل ان اخطأ الاردن بحق اي دولة شقيقة او قابل الاساءة بالاساءة ، حتى تجاه بعض الدول التي كان لها مواقف سلبية وعدائية من الاردن ، وصلت حد التآمر على امنه واستقراره ووجوده ، وذلك ايمانا من الاردن برسالته العربية وعمقه العربي ، خاصة انه صاحب مشروع قومي عروبي وحدوي .
ما يقتضي منا كمواطنين اردنيين ضرورة الحفاظ على هذا المخزون الوطني من العلاقات الخارجية عبر التماهي في مواقفنا من الدول الشقيقة والصديقة مع مواقف بلدنا وسياسته ودبلوماسيته الفذة ، وذلك مراعاة للمصالح الوطنية . اذ لا يعقل ان نجعل من مواقفنا الشخصية تطغي على مواقف الوطن ، بطريقة قد تحرجه وتدخله في اشكاليات وخلافات مع دول ، كثيرا ما دعمتنا ووقفت الى جانبنا في ظروف صعبة مرت على بلدنا . فخلال بعض لقاءات جلالة الملك مع الاسرة الاعلامية مثلا ، كثيرا ما كان يعبر جلالته عن انزعاجه وامتعاضه وعدم رضاه عن مهاجمة بعض الاعلاميين لبعض الاقطار ورموزها الوطنية ، واحيانا يحدث ذلك تزامنا مع زيارته لها ووجوده فيها بهدف تعزيز العلاقات الثنائية ، وكسب دعمها ومساندتها في مسائل وملفات داخلية او عربية ، وربما السعي للحصول على مساعدات معينة .
واذا ما توقفنا عند تعاطي البعض مع وسائل التواصل الاجتماعي ، فاننا نرى العجب العجاب من قبل البعض الذي امتهن الاساءة لدول تربطها بالاردن علاقات قوية ومميزة ، خاصة الدول العربية ، وهو يوجه سهام النقد والتجريح والاساءة لها ولشعوبها ولقياداتها ، رغم مواقفها المشرفة مع بلدنا ووقوفها الى جانبه في مختلف الظروف والاحوال . ولا ندري لمصلحة من ركوب مثل هذه الموجة التي تسيء لعلاقات الاردن مع الاقطار الشقيقة ، وما هي الخدمة التي يمكن ان يقدمها هذا البعض لبلده من وراء هذه التصرفات السلبية واللامسؤولة ، التي قد تحرج الاردن وتدخله في خلافات ومشاكل هو في غنى عنها . اضافة الى ما قد يرافق هذه الاجواء المشحونة وغير الودية من خطوات قد تستهدف الجاليات الاردنية في الخارج وتهددها في مصدر رزقها ، لمجرد ان هذا البعض له مآخذ او مواقف شخصية من هذه الدولة او تلك ، لحساب (الانتصار) لدولة او دول اخرى من خلال نشر الاساءات والاشاعات او استقبالها عبر وسائل التواصل دون التحقق من مصادرها ، حتى انه يعمد في بعض الاحيان الى اعادة نشرها امعانا منه في ايصال رسالته المسيئة الى اكبر عدد ممكن من المتصفحين والمستخدمين لهذه الوسائل الاعلامية ، بينما هو جالس غير مكترث للمشاكل والازعاجات التي قد يسببها لبلده من وراء هذه التصرفات اللامسؤولة ، فقط لاعتقاده بانه بهذا العمل السلبي ، انما يحقق مراده وينتصر لذاته ، حتى وان كان ذلك على حساب مصالح الوطن ، ومخزونه الاستراتيجي من العلاقات الخارجية . دون أن يأخذ باعتباره أن هناك من الشباب العربي والخليجي تحديدا من يقوم بتصوير لقطات ومشاهد عن معالم أثرية وتراثية وتاريخية ودينية وسياحية اردنية وبثها في بلده ، كنوع من الترويج السياحي ، وذلك تعبيرا عن حبه وتقديره واعجابه ببلدنا ، وتضمين المادة المصورة عبارات تتغنى بقيادة بلدنا وسياسته ومناخه وطبيعته الخلابة وطيبة الانسان الاردني ونخوته وشهامته وجوده وكرمه واصالته وفزعته وعاداته وتقاليده ، وهو ما يقوم بعض الاعلاميين العرب أيضا بتسليط الضوء عليه .
فرفقا بخصوصية الاردن وبمصلحته وبسياسته وبدبلوماسيته ، التي فتحت امامه طريق الانجازات والنجاحات ، رغم قلة الموارد والامكانات ، حتى غدا انموذجا يحتذى في تطوير شبكة علاقاته الخارجية وتوسيعها ، بطريقة جعلته موضع احترام وتقدير الاسرة الدولية . فلمصلحة من نسف هذا الرصيد الوطني الاستراتيجي الذي يغبطنا عليه الاخرون ، على يد بعض ابناء هذا الوطن ، الذين اختاروا التغريد خارج النص الوطني .