بتاريخ 23 آذار 2018 أعلن فوزفلاديمير بوتين رئيساً للفدرالية الروسية للمرة الرابعة بجدارة بعد حصوله على (69.76(%
من مجموع أصوات الناخبين الروس البالغ عددهم (228,864,110) مسجلاً، ، وهو رقم قياسي بالمقارنة مع جولاته الرئاسية السابقة، ورغم تقيده بالدستور الروسي وأحكامه فلقد كان حاضراً حتى في عهد سلفه دميتري ميدفيديف،
عندما كان رئيساً لروسيا بهدف إغلاق المسافة الزمنية لأربع سنوات وقتها، لكي لا يصعد مرشح يمكن أن لا يترك كرسيه الرئاسي بسهولة، أو يقول لا لبوتين.
ولقد استطاع بوتين أن يحول شخصه لحزب مستقل ، بعدما اعتذر عن إسناد حزبه «روسيا الموحدة» له في الانتخابات لما يتمتع به من كاريزما فولاذية وسط ساسة روسيا وقيادات العالم. ولم يلتفت لمساحات النقد لسياسته المركزية وسط
الشارع الروسي المطالب بالإصلاح الدائم، وبضبط الفساد، وبتشغيل المصانع، ودعم الطبقة الوسطى العاملة ومنها شريحة المثقفين، ولا حتى للأصوات المعارضة المحدودة، والتي ظهرت على شكل أفراد وصعدت لمنافسته على كرسي (الكرملين) ولكن دون جدوى.
وتحدى بوتين وبما ملك من سمات وطنية وقومية روسية فريدة من نوعها، ارتكزت على خبراته الأمنية والسياسية والاقتصادية الغرب الأميركي وعقوباته ومماحكاته ومؤامراته، بخاصة في وقت أثارت فيه لندن ومن ساندها في العتمة زوبعة سرابية هذا العام 2018 بعد حادثة تسميم الجاسوس الروسي المزدوج سيرجي سكريبال وسط
ظروف غامضة استخباراتية على ما يبدو، وهي الحادثة التي صممت لتنفجر في وجه الانتخابات الروسية الأخيرة، وخلف أبواب كأس العالم بكرة القدم في موسكو ،والذي بلغت ميزانية الإعداد لبنيته التحتية أكثر من (11) مليار دولار.
وهو التحدي نفسه الذي قبلت به شعوب روسيا، وأظهرته من خلال نتيجة الانتخابات، وبالنسب المئوية، مثلاً (قاباردينا بالقاريا 89 %لصالح بوتين، الشيشان 5,91،% .(%92 القرم%، 92 تيفا%، 90,7 داغستان وصمد الرئيس بوتين لوحده ومن دون حزبه الحاكم بوجه الحزب الشيوعي باني الاتحاد السوفيتي ، حيث حصل مرشحه بافل غرودينين على (8,11 ،(%وهو من كبار المزارعين بينما اعتذر غينادي زوغانوف، زعيمه عن الترشح لقناعته المسبقة بالنتيجة الممكن أن يحصل عليها الحزب، وهو التقليد الذي جرى له منذ ظهور اسم بوتين عام 2000 في عالم السياسة الروسية بعد عالم الأمن في فضاء الـ(B.G.K)
وبوتين، الشيوعي السابق، الديمقراطي، والوطني، والقومي الحالي، وحاشيته السياسية الرفيعة المستوى، عمل وبوتيرة عالية من أجل إبعاد الشيوعيين والمعارضين خطوات عميقة إلى الخلف، لكي تحلق روسيا عالياً في فضاء السياسة، ومماحكات الحرب الباردة مع الغرب بطريقة جديدة خالية من سلبيات الماضي
السوفيتي.
ورغم الإيجابيات الكبيرة بطبيعة الحال، فالتدخل السوفييتي في أفغانستان عام 1979 ،والذي ندم عليه السوفييت أنفسهم، أصبح من الماضي، ولا يشبه بأي شكل من الأشكال الدور الروسي في سورية، الذي سانده بوتين والقيادة
الروسية بقوة على الرغم من الإشاعات الموجهة لموسكو وسط الحرب السورية الدائرة في الغوطة وما كان قبلها، بينما في الميدان السوري إرهاب متعدد الأوجه، ومعارضة مسلحة، وأخرى قوى خارجية عديدة محاربة مثل إيران، وحزب االله، والنظام السوري، وتركيا، وسباق التسلح مع أميركا والغرب (الناتو) أخذ صفة الفعل ورد الفعل، وتراجع
لتقاليد الماضي التي ركزت على سباق التسلح من أجل سباق التسلح والتوازن العسكري فقط، وتوجهت روسيا أكثر في عهد بوتين وبما تملك من ميزانية عسكرية محدودة (6,116 مليار دولار) بالمقارنة مع ميزانية أميركا العسكرية و(الناتو) (664 مليار دولار) صوب التفوق العسكري النوعي، والذي كان آخره الصواريخ العابرة للقارات (بالميرا) وفوق سرعة الصوت، وبمحركات نووية لا تكشفها الرادارات، وفصلت بين ميزانية الجيش والبحرية النووية العملاقة، وما بين ميزانية باقي الاقتصاد الوطني والقومي. ومع هذا تركت روسيا الجديدة المتطورة الباب مغلقاً أمام دمج النظامين
المركزي واللامركزي في إدارة الاقتصاد الداخلي، والأمل كبير الآن في حقبة بوتين الجديدة أن تهتم بهذا التوجه، لإنقاذ الداخل الروسي من الشوائب العالقة والتي على رأسها (الفقر، والبطالة، ورواتب القطاع العام، والتقاعدات، والفساد، والثراء الفاحش غير المشروع، وتعبيد شوارع مدن الدرجة الثالثة، وإعادة النظر بتعرفة المحروقات البترولية والغازية، التي يستخدمها المواطن الروسي مباشرة، بالأسعار الدارجة بشكل عام)، وهي المحتاجة ذات الوقت لرئيس وزراء جديد على ما يبدو، قادم من الميدان، ومتحرك في داخله على الدوام، بخاصة وأن مساحة روسيا شاسعة (اكثر من 17 مليون كم2 ،(وعدد السكان ليس بالقليل يقارب الـ(150 (مليون نسمة.
الروس ينتظرون بحماس حفل تنصيب الرئيس بوتين القادم، وعلى موعد مع التغيير وسط الميدان الروسي داخلياً بعد الاقتراب من بسطاء الناس، ومن همومهم وقضاياهم ومطالبهم المشروعة. ومثلما يؤيد عامة الروس موقف دولتهم من الحرب السورية، يوجد وسطهم من ينصح بالاهتمام اكثر بالشأن الداخلي الروسي.
وكما هو الإعلام الروسي مادح للقيادة الروسية، ومواقفها على شاشات الفضائيات الروسية (I, 24.R. RTR (و(روسيا اليوم) بالعربية، نجد نقداً في الإنترنت وفي الشارع، وهو شيء طبيعي وسط الأجيال الشابة الجديدة الباحثة عن فرص العمل والحياة الكريمة والتعليم الجيد غير المكلف في زمن ظهور الطبقات الفقيرة، والمتوسطة، والثرية.
ومن غير المتوقع أن تغير الدولة الروسية من وقفتها الصلبة ليس مع نظام دمشق فقط، ومع البديل الوطني السوري المعارض المقنع وغير المتطرف، في ظل تصاعد ألسنة الحرب الباردة وما بين الغرب وأميركا وبين روسيا وحليفتها الاقتصادية والسياسية، الصين.
والفدرالية الروسية قطب نووي مستقل، رفيع المستوى والقوة، يبحث عن التعاون وغير معني بالأحلاف الدولية، ولديه جاهزية فتح الحوار دائماً مع كل دول العالم بما في ذلك اميركا وأوروبا. وينسق مع كافة اقطار العالم. ويتمتع بصداقات مميزة مع العرب، واتفاقات اقتصادية استراتيجية في مجالي السلاح والطاقة النووية تحديداً، تتقدمهم
المملكة العربية السعودية بـ(16 (مفاعلاً نووياً وصواريخ (400.c ،(وعلاقات دافئة طويلة المدى مع الأردن، وزيارات ملكية أردنية ورئاسية روسية متكررة ومفيدة وهامة، ووجهة نظر سياسية لروسيا وسط قضايا العرب ترتقي إلى المواقف الثابتة وتختلف عن فكر الغرب وعمقه الأميركي بكل تأكيد.
روسيا بوتين لن تغيّر استراتيجيتها بين ليلة وضحاها، وهي تعيش الحاضر وتواصل المسير إلى عمق الزمن القادم بثقة وخطى ثابتة، وعينها على النجاح المستمر، وليس من سياستها توزيع العداء شرقاً وغرباً، وإنما البحث المستمر عن أمنها وعن أمن العالم، وتقديم التعاون حتى على التحالف، وتعتبر ذاتها جزءاً من عالم متعدد الأقطاب ومتوازن، ولا تتفهم أن يبقى القطب الواحد حاكماً في المقابل. بينما هي مصالح العالم موزعة، ويمكن تقاسمها من دون أزمات أو حروب. ويبقى الملف الإيراني النووي هو الأسخن على وجه الأرض، لاعتقاد الغرب الأميركي بأنه يهدد أمن إسرائيل،
بينما وقع مجلس الأمن وتتقدمه روسيا وأميركا على الاتفاقية (5 + 1) لضمان عدم تصنيع إيران للسلاح النووي الخطير علناً أو سراً، وتبقى القضية الفلسطينية مركزاً لقلق الشرق الأوسط والعالم، ولروسيا وجهة نظر منصفة وسطها تنادي بقيام دولة فلسطين كاملة السيادة، وعاصمتها القدس الشريف، في وقت انحازت فيه أميركا مع الكيان الإسرائيلي ومع الصهيونية العالمية من أجل إحباط القضية الفلسطينية برمتها، والشروع صوب أسرلة القدس وكل فلسطين، ولا ضغوط دولية جادة على (إسرائيل) لكي تخرج من كافة أراضي العرب.
وتصريح أميركي إبان وزير خارجيتها رئيس بعدم المساس بالوصاية الهاشمية على القدس الشريف ودعم مالي للأردن
أولى زاد عن ستة مليارات دولار لخمس سنوات قادمة.
وتواصل روسيا بوتين النظر تجاه كوريا الشمالية على أنها دولة نووية تمارس الاختراقات وسط النادي النووي العالمي، والواجب الاقتراب منها، ومحاورتها والتعاون معها بدلاً من معاداتها واستفزازها. وهو التوجه الذي بدأت أميركا ترمب تنتهجه لسد فجوة الخلاف بين العاصمتين (بيونغ يانغ) و(واشنطن)، والإعلان عن لقاء مرتقب بين دونالد ترمب الرئيس الأميركي، وما بين (كم جونغ أون)، رئيس كوريا الشمالية بعد لقاء الصين.
مبارك فوز بوتين ونعم للتوازن بشكل دائم. والخطوات التصعيدية الأوروبية والأميركية الدبلوماسية ضد روسيا وبالعكس، وطرد الدبلوماسيين بعد حادثة الجاسوس الروسي المزدوج سكريبال غير مسؤولة ومؤسفة يشتم منها رائدة التصعيد والتشنج السياسي العالمي في زمن الحاجة للسلام وأمن العالم ومكالمة تهنئة منفصلة سابقة من قبل ترمب لبوتين بموقعه الرئاسي الجديد يعكس تناقضاً أميركياً وفجوة بين السياسة والأمن وتناغم.
وفي كلمة السفير الفدرالية الروسية بعمان بوريس بولوتين أمام مؤتمر الجاليات الروسية بتاريخ 30 آذار أكد فيها على تصعيد غربي ملاحظ للحرب الإعلامية أكثر من أي وقت مضى.
الرأي