الصفقة بين حدث مرتقب وحديث مختزل
د. حازم قشوع
11-04-2018 01:24 AM
لا يوجد مصطلح الصفقة في قاموس المعادلات السياسية ، لكنه يوجد هذا المسمى في التعاملات التجارية بالمعنى الذي يختزل عبره الوقت وتنتهى حالة السجال ويكون الحديث منصبا حول النوعية والسعر ومكان وزمان التسليم وينشغل الجميع في النقاش حول اليات التنفيد بكل ما فيها من تفاصيل للاصول والهوامش والفواصل واشكال الاخراج وكيفية التقديم وربما بروتوكولات التوقيع.
واذا كان المقصود من مغزى الحديث على علاقة الصفقة بالمفهوم الضمني التجاري لانها تقوم عادة على اسس تسعى لتحقيق معادلة مقبولة لا يشترط فيها القبول،لأن محدداتها تكون قد اتسعت واحداثياتها رسمت فتكون مشروعيةالقبول ضمنية تشترط عدم الممانعة وتأخذ بواقع المفهوم الكلي للحل وليس وفق معادلة تشترط مبدأ القبول لغاية الانجاز.
ولان مشروعية القبول ركيزة اساسية في التفاوض باعتبارها تشكل قوام الاستجابة الذي لا تتشكل من دونه معادلة الانجاز السياسي في المفهوم البسيط مهما بلغت شرعية النفوذ من ثقل او ازدادت من قوة.
لذا كان حكماء السياسة يقولون ان التفريض بقوام المشروعية في المعادلة السياسية كالفارس الذي يرمي سلاحه الوحيد في ميدان الاشتباك السياسي منذ البداية ومن هنا تأتي بعض المحاذير الضمنية لمناخات الصفقة.
واحسب ان المعادلة السياسية مهما اصابها من خلل في ميزان المعادلة القائمة بين شرعية اتخاذ القرار ومشروعية القبول ستبقى تشكل مشروعية القبول نصف المعادلة مهما بلغت شرعية اتخاذ القرار من قوة او ضعفت مشروعية القبول في ميزان المعادلة في الاتجاه المقابل ما يجعلنا نؤكد ان لا منجز سياسيا دون توقيع الطرفين في مفهوم المعادلة السياسية البسيطة للحل وهذا ليس هو الحال مع ما هو مطروح من صفقة.
لذا كان اهمية استخدام مضمون الصفقة ومغزها هو انهاء دور مشروعية القبول والبدء في الحديث حول الاليات والتفاصيل والسياسات التنفيذية الامر الذي يشير ان مرحلة التفاوض قد انتهت وبدأت مرحلة التنفيذ،وان ما تم رسمه واقراره سيبدأ في تنفيذ مشتملاته بواقع كلية جامعة تشمل كل مجتمعات الاستهداف ولا تقف عند محددات الصفقة فقط..
وحتى لا يبتعد فينا الحال عن العمل الاستراتيجي الذي يتكافأ فيها طرفا المعادلة السياسية فان ذلك بحاجة الى اعادة حساب المخرجات وليس تساوي ميزان المدخلات.
وعلى صانع القرار او حامل عقدة الصفقة ان يدرك ان ثمة صفات ذاتية لا بد من اخذها بالاعتبار لاحقاق الاستجابة الضمنية في معادلة التكوين الذاتي باعتبارها شريكة في ميزان المخرجات ان لم يكن كذلك في ميزان المدخلات حيث تقف السمات الذاتية على مبادئ قيمية ولا تستند الى دواع منفعية او مصلحية باعتبارها تعبر عن مفاهيم استطيع ان اجملها بثلاث جمل سياسية :
اولا-ان القضية الفلسطينية لا تعرف عند الفلسطينيين ولا حتى عند العرب بانها تلك المساحة الجغرافية التي يسعى الفلسطينيون والعرب لاسترداد ملكيتها لكنها تشكل لهم تلك الارض عنوانا للشرف والكرامة ففقد الفلسطينيون والعرب الاف الشهداء وخاضوا عشرات المعارك ليس من اجل مساحة جغرافية صماء يمكن استبدالها بتلك المساحة او من اجل قطعة ارض يمكن شراؤها من هذا التاجر او مساحة يمكن استبدالها من ذاك،ولم تشكل فلسطين منذ ان اصحبت قضية محطة جغرافية لعوده الفلسطينيين اليها فحسب بل اعتبرت محطة كرامة وعنوان شرف لذا لم يبحث الشعب الفلسطيني الا عن مكان واحد لهويته التي جسدتها فلسطين على الرغم من حصول الفلسطيني على معظم الجنسيات العربية والدولية لكن بقيت الهوية النضالية للشعب الفلسطيني العنوان المحرك لبوصلة اتجاهات النضال الوطني و لم تكن القصة قصة وثيقة مرور بقدر ما كانت هوية كرامة وعنوان وجود.
ثانيا- لم تكن القدس بما تحويه من اماكن عبادة مسيحية واسلامية وحتى يهودية مكان عبادة مجردة بل كانت ومازالت وستبقى تشكل رمزا للسيادة العربية وليست فقط مكانا للعبادة ومن على واقع ارث القدس التاريخي التليد الذي يحمل روح الامة ويربط ماضيها بحاضرها ومستقبلها يأتي هذا الرابط الوجداني والقيمي الذي تتعلق فيه الامتان العربية والاسلامية مع القدس في ذلك الرابط المقدس الذي لا تشتري روابطه ولا تباع مفاتيحه ولا تستبدل ماهيته الديموغرافية والمكانية لانها معرفة ببصمته الحضارية والمعنونة من باب اثره الانساني الاصيل.
ثالثا- لم يكن موضوع حق العودة يحمل صفة العودة بالمفهوم المجرد بقدر ما كان يعني ومازال في ضمير الوجدان الفلسطيني والعربي بمثابة العودة لاسترداد السيادة من على ارضية الحقوق المعلومة المحددة في اطار الشرعية الدولية ولم تكن حكاية حق العودة حكاية استمالة عواطف لجني ارباح او حكاية بيت يمكن استبداله بل كانت حكاية بيت ينتظر استرداده وحكاية كرامة شعب لذا شكلت قضية حق العودة عند الشعب الفلسطيني موضوع حياة وليس مشروعا للحياة.
ومن هنا نستطيع ان نحدد المعطيات الذاتية التي تقف على مواقف مبدئية من عنوان الصفقة حيث تتحفظ عليها شكلا ولا تقبل فتح الحديث حولها موضوعا واخرى اتخذت دور الوسيط حيث سعت الى تطوير عناوينها الرئيسية من خلال طرح معادلة المجموع الكلي وليس بواقع احتساب بنود المعادلة الذاتية بواقع الاثر المباشر والمكانة الفعلية للتأثير بينما استعد البعض لاحقاق مناخ قد يفيد للتنفيذ لكن لا يستطيع التقرير وهذا ما يؤكد ان اجتزاء الحلول وايجاد معادلات احادية لن تحدث الاستجابة المطلوبة والذي من المفترض ان يميز المغزى الحقيقي للصفقة وهذا مرده لاسباب جوهرية اوردها بما يلي:
اولا-موقف الملك عبدالله الثاني برمزيته العربية الهاشمية وعلى اعتباره صاحب الوصاية على القدس.
ثانيا–رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس من الصفقة شكلا وعدم الحديث حولها موضوعا.
ثالثا-موقف الشعب الفلسطيني الذي لن يقبل بغير استرداد كرامته الذي يجسد عنوانها حق العودة هو ما بينه من خلال انتفاضة الاقصى و اخيرا هبة غزه.
رابعا-موقف الامة العربية التي لن تقبل الا ان تكون فلسطين بجغرافيتها التاريخية والازلية في ذلك المكان التاريخي المعرف والحيز المعلوم المشرعن.
من هنا نقول ان مفهوم الصفقة بما احتوته من احدثيات تقديرية وروافع موضوعية لن تحقق عوامل الاستجابة المطلوبة دون الاحترام لاراء اصحاب المشروعية كما ان سياسة الفرض باحادية القرار لن تخدم مسيرة التحقيق مهما حملت الصفقة من وعود او تضمنت مضامين تشاركية ستسعى لتعزيز مكانة بعض الانظمة على صعيد مكانتهم الشعبية او ادوارهم المحورية الاقليمية واعتقد جازما بان قضية الانسانية بتاريخها واديانها وارثها والذي تمثله فلسطين لا تحل وفق معادلة حسابية بسيطة.
صحيح ان البيت الابيض قام بجهود كبيرة لفرض ايقاع الصفقة من خلال قيامه بعناوين تسعى لفرض الحل عبر انهاء مرحلة التفاوض والشروع بالبدء في التنفيذ لكن جاء ذلك وفق اسس لا تستند الى ضوابط تقبلها الاطراف المشاركة او المشتركة وهو ما حمل انعكاسات ليست مشجعة على واقع الاستجابة والتنفيذ من خلال اجرائه لما يلي :
اولا-اعلان البيت الابيض اعتبار القدس عاصمة اسرائيل الابدية بينما لم يحدد البيان عن اية جغرافيا يتحدث ولو حدد القدس الغربية عاصمة لاسرائيل والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين لتمكن من ايجاد مناخات افصل لميلاد الصفقة.
ثانيا-اجتراء الحلول الجزئية بدلا من ايجاد شمولية معادلة تشارك فيها جميع الاطراف المشاركة والراعية والداخلة والمتداخلة في الحل.
ثالثا-تشكيل مناخات سلبية طاردة لاية حلول حتى لو كانت مقبولة حيث عملت القرارات الاحادية على ايجاد حالة سلبية استفزت الاجواء حتى غدت طاردة لقبول اي مشروع،بعد ما تم الشروع بالضغط على الأونروا برسالة ضمنية تجاه حق العودة و الحديث عن تبادل الاراضي وما عليها لتغيير الواقع الديمغرافي في إسرائيل اضافة الى تسخين الاجواء حول التوطين ونظريات الحلول الاقليمية و تبادل الاراضي لخلق واقع جغرافي جديد لفلسطين وهذا ما جعل الاجواء لا تستجيب للمتغير القادم،وان كان الكثير من هذه المواضيع التي تناولتها الوسائل الاعلامية تستند الى فرضيات غير دقيقة وتأويلات بعيدة في المضمون لكنها ادت الى فرض اجواء غير صحية على طبيعة المشهد السياسي العام.
رابعا-بروز الضدية بين الشرعية الدولية وقراراتها وسلطة البيت الابيض ومكانته في صناعة القرار الدولي فضلا عن التباين الضدي بين عمق الدولة الاميركي والبيت البيض الذي مازال يحاول فرض ايقاعه على مجريات القرار على امل تحقيق انجاز نفوذ وانجاز انتخابي في الانتخابات النصفية القادمة.
خامسا-ابتعاد البيت الابيض عن تناول المبادئ والقيم الانسانية التي كانت عادة ترافق اتخاذ القرارات الدولية والاكتفاء بالحديث عن المنافع والمصالح وذلك في خطاب موجه للشعب الأميركي وليس للعالم.
وعلى الرغم من حالة الشد التي مازالت ترافق مناخات الصفقة الا ان امل الانتصارمازال معقودا طالما بقي الانسان الفلسطيني ينتفض والاردن يناصر بعزيمة واثقة من حتمية الوصول الى منجز سلمي حقيقي للقضية الوطنية الاولى اردنيا والمركزية عربيا والمحورية دوليا والاساسية انسانيا.
الرأي