قبل ايام عبر رئيس مجلس النواب عن حزنه على مجلس النواب، الذي وصفه بأنه مجلس تم ذبحه من الوريد الى الوريد، بعد أن اعترض على قيام بعضهم بطلب «الواسطات» وعلى الهواء مباشرة.
وجاء تصريح رئيس المجلس في خضم «جلبة»، كان محورها ارتفاع صوت نائب تهجم على الحكومة ووصفها بحكومة تنفيعات.
«لا تشكيلي أبكيلك»؛ هو المثل المناسب لدى كثيرين وصفا لاستشراء ظاهرة التنفيع والتكسب من وراء الموقع الوظيفي، علما أن المسؤول الذي يكرم بالامتيازات والوظائف والمال العام، هو لا ينفق من رصيده الشخصي ولا من مزرعة الوالد، هو يعتدي على حقوق المواطنين جميعا، كما يعتدي على القانون، ويقترف موبقات بحق الوطن، بعدما اصبح التنفيع منتشرا بصورة مرعبة، والتجاوز على القوانين أصبح اجتهادا مقبولا في عرف بعضهم.
لا يمكننا نسب التنفيع الى جهة بحد ذاتها، لانه بات اكثر من ظاهرة ان لم تكن ثقافة سائدة، ما اخل بالثقة بين المواطن والحكومة والنواب وغيرها من السلطات.
أتحدث عن مواقف كثيرة أعرفها ويمكنني اثباتها بأكثر من طريقة، لكنني لا أدعي بأن هذه هي حال الأداء الرسمي في كل المؤسسات الحكومية، ولن أتكئ على مفهوم «غياب الثقة» لأشكك بشفافية ونزاهة أداء الفريق الحكومي، لأنني تحدثت وكتبت في أكثر من مناسبة عبر هذه الزاوية، عن استشراء ظاهرة الواسطات والمحسوبيات والبحث عن الامتيازات، ولا يمر يوم تقريبا دون أن نقرأ أو نسمع عن خبر من هذا النوع، وقد سبق لي التحدث مع أكثر من وزير حول «تنفيع نواب ومحاسيبهم» فوجدت إجابات صارمة وقوية من بعضهم، بأنهم لا يذعنون لطلبات نواب ولا لغيرهم إن تضمنت اعتداء على حقوق مواطنين آخرين، وبرر بعضهم أن الحكومة تقدم تسهيلات محدودة لضمان سلامة عبورها لأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية تضرب بعنف على المسرح الأردني.
كتبنا غير مرة عن التزام الحكومة ورئيسها بمعايير النزاهة والشفافية، وترحيبها بالمساءلة من قبل الجهات الرسمية المختصة ومن قبل الصحافة، وهذا ما سجلناه في مواقف كثيرة قدم فيها رئيس الوزراء إجابات واضحة حول تساؤلات نيابية واخرى صحفية، وطالب كل من يقدم سؤالا ما أو حديثا ينطوي على اتهامات بالتقصير وسوء الادارة، أن يثبت اقواله بالمعلومة الدقيقة قبل الشروع في كيل الاتهامات وهدر المزيد من ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها. ودخل الرئيس في تفاصيل بعينها حول مناقلة موظفين على سبيل المثال، أو حول تعيين آخرين، ولا أخفيكم سرا حين لا أتحدث هنا عن بعض الممارسات، التي يقوم بها بعض المسؤولين وتأتي مناقضة تماما لما يقوم به الرئيس وسائر المسؤولين المحترمين، لكنني بلا أدنى شك سأذكرها هنا قريبا بدقة متناهية لا تسمح بالتشكيك من قبل اي طرف.
نحن نعمل في صحافة وطنية، ونقدم يوميا رأيا ينطوي على معلومة موثقة، ومضى على عملنا هذا عشرات السنوات ولم نتعرض يوما لاتهام بغير المهنية، لأننا ملتزمون بالمهنة وباخلاقياتها وقبل هذا ملتزمون بأخلاقيات وطنية، نقدمها على كل مهنة، ولأجلها نؤجل الحديث التفصيلي عن التنفيع في إدارة الشأن العام، الذي يقع فيه بعضهم دون أدنى اكتراث بقانون أو بأخلاق أو باستقرار وطن يواجه تحديات وأزمات انبعث أغلبها من أداء مسؤولين مغامرين بكل شيء.
لا تقلبوا الصفحة مطلقا، إلا بعد أن تنتهي هذه الظاهرة السيئة ويتم تجريمها فعلا من قبل كل الناس والجهات المسؤولة المؤتمنة.