هل يحتاج مجتمعنا الى ازمات جديدة ؟ هذا سؤال يلحّ عليّ كثيرا واحاول -جاهدا - ان اجيب عليه، ومع ان الاجابة السريعة بسيطة ومعروفة وهي قطعا: لا، الا ان ما يتفرع عنها من اسئلة وما يتوالد منها من مفاجآت تعيدني مرة اخرى الى دائرة “الاستفهام” واحيانا الدهشة والاستغراب.
فالناس في بلادنا طيبون جدا، وراضون ومقتنعون، ويدركون -تماما - ما يمر بهم من مشكلات، وما يتوجب عليهم ان يفعلوه لمواجهتها بلا خسائر، وهم احرص مما نتصور على استقرار مجتمعهم وعافيته، وجاهزون دائما للتضحية - بكل شيء - ليظل كريما و”سيدا” مرفوع الرأس، فلماذا اذا نصرّ على التعامل معهم بمنطق “صناعة” الازمات، ونبش الجراحات، ولماذا ندفعهم الى “اليأس والاحباط” لماذا؟
اعتدنا في مجتمعنا على التعامل دائما مع الازمات التي تواجهنا بمنهج الاستيعاب والاطفاء السريع، واحيانا بمنهج الاستباق والوقاية، وخرجنا غالبا منها بأقل ما يمكن من خسائر، ولأننا كنا ندرك باستمرار ان “اضطراراتنا” اكثر من خياراتنا، وبأن مواردنا اقل من طموحاتنا، وبأن “الانسان” هو “رأسمالنا” الوطني، فاننا نجحنا في خلق حالات نادرة من التكافل والتحمل والصبر والتعايش مع الواقع، وخذلنا رهانات الكثير من الذين دخلوا على خط مشكلاتنا وانتصرنا -دائما - لمبدأ “امننا” الاجتماعي الذي كان اساسا لأمننا السياسي، ومانعا لكل الصواعق الاقتصادية التي تعرض لها مجتمعنا.. وما يزال.
لماذا طوينا هذه الصفحة اذن وتجاهلنا امتحانها الذي اجتزناه بنجاح ؟ لماذا اخطأنا في تقدير “الحسابات” البديلة وتكاليفها الباهظة؟ لماذا تحولنا من منهج “الاستيعاب” والتفاهم وابداع الحلول “التوافقية” الى منهج التآزيم وممارسة القسوة وادارة الظهر لكل ما يصدر من “ذبذبات” ورسائل؟ لماذا عجزنا عن “ادارة” ازماتنا بمنطق الذي يريد الحل ويهرب من “ضربات الشمس” لا بمنطق الذي يصرّ على “الخطأ” ويتعمد الاستفزاز ويلجأ احيانا الى “العمليات” الجراحية الخطرة رغم معرفته بان “المسألة” لا تحتاج الا لقليل من الدواء واحيانا الى المسكنات مع علمنا بان “الجراحة” هي الحل؟
يا الهي، لماذا نعاقب انفسنا بمثل هذه القسوة ؟ لماذا نتجرد من حكمتنا وسماحتنا واعتدالنا ونشعل “النيران” في حقولنا الخضراء؟ لماذا اغلق بعضنا “لواقطهم” التي يفترض ان تظل مفتوحة لاستقبال كل ما يصدر عن مجتمعنا من “ذبذبات” ؟ لماذا تحولت مقرراتنا واجراءاتنا الى “احكام” قاطعة تخلو من العدالة والرحمة ؟ لماذا اصبح “مزاجنا” العام قاحلا ومتقلبا وملبدا بالغبار؟
ارجو ان نتنبه، فهذا البلد العزيز علينا جميعا، يحتاج منا لمزيد من “الحب”، الذي افتقدناه بيننا، ولمزيد من الصبر والحكمة في التناول والتعامل، يحتاج منا لارادة شجاعة تعترف بالخطأ وتعود عنه، وتواجه “الازمة” بالاستيعاب، وتطمئن المجتمع على حاضره ومستقبله بالحلول المقنعة والادوية المتوافرة “حتى لو كانت مرّة” لا بالجراحات المستعجلة.
الدستور