الواسطة والمحسوبية آفة تفتك بالوطن
د.طلال طلب الشرفات
09-04-2018 06:29 PM
الواسطة انعكاس سلبي لموروث اجتماعي كان يمارس وفق معايير أخلاقية ايجابية في اغاثة الملهوف وفي اصلاح ذات البين ودرء المفاسد الاجتماعية ، وقد جاء في مفهوم تجريم الواسطة في قانون النزاهة ومكافحة الفساد بأنها الواسطة التي تذهب حقاً وتقر باطلاً ، وبمعنى آخر فأن المشرع ما زال يقر الجوانب الأيجابية للواسطة في مجتمع عشائري متجانس ومتكاتف في حل الخلافات ومساعدة الناس في اقتضاء حقوقهم .
والمحسوبية أخطر بكثير من الواسطة لأنها تنبع من متخذ القرار الأداري او السياسي سواء اكان ذلك في التعيين ام التنسيب او التعيين ام الترقية ، وقد يكون الأقصاء او العزل مقدمة لمحسوبية اخرى بطريقة مباشرة ام غير مباشرة ، ولذلك جرم القانون المحسوبية وقبول الواسطة من الموظفين العموميين ، وكان الأجدر بالمشرع ان يجرم قبول الواسطة وطلبها كي يسد منفذاً خطيراً وشائعاً واكثر اجحافاً بمبدأ سيادة القانون والمتمثل في طلب الواسطة من متخذ القرار الأداري في جريمة تكاد تقترب من الرشوة التي يعاقب فيها كلا الراشي والمرتشي معاً .
يجب ان نعترف بألم ان المحسوبية استشرت في مفاصل الأدارة العامة وفتكت بها اكثر مع تنامي الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة لكل الأردنيين ، واضحى مفهوم سيادة القانون مزاعم يكيلها الساسة هنا وهناك ولا تطبق الا في النزر اليسير ولا يلقى لها بالاً الا في بعض القضايا التي يراقبها الرأي العام بعناية ويتعابها الاعلام بوسائله المختلفة ، بل اكثر من ذلك فقد كشفت الواسطة عن بشاعة المحسوبية في اضعاف الأمن الأجتماعي والأستقرار القيمي .
ينقل بتواتر عن دولة الشهيد وصفي التل رحمه الله انه كان يأنف المحسوبية ولا يرضخ لواسطة لا تليق او تلغي حقاً لأردني ، وتلك صفة فريدة اورثها للكثير من اقاربه حتى يومنا هذا ، والسبب أنه كان يدرك ان الوطن لا يبنى الا بالمحبة والرضى والأخير لا يمكن أن يتأتى الأ بالمساواة وتكافؤ الفرص ، وحتى بعد رحيله لم تكن تمارس بهذه الصورة المقيتة التي اوصلنا اليها سوء الحال وعتمة المآل ، والأخطر من كل هذا ان علاقة الموظف العام مع الوظيفة العامة والموقع العام غدت علاقة نفعية مصلحية فردية ماثلة بعيداً عن أخلاقيات واولويات البناء الوطني الخلاق .
وصفي التل وموسى الساكت ومحمد عودة القرعان رحمهم الله وآخرين كثر كانوا نماذج للشرف الوطني والنزاهة والامانة ورفض المحسوبية ، فالأخير رفض اعطاء وصفي التل قرض لعدم انطباق الشروط وعندما شكل وصفي الحكومة فيما بعد اصدر قرار بترفيعه بدلاً من عزله واقصاءه ، وهذا هو الأردن الشامخ الذي يبنى بضمائر الرجال .
خطورة الواسطة السلبية انها تمارس بنهم من اقطاب الطبقة السياسية واعضاءها وشاغلي المواقع العليا ورجال المال والأقتصاد والأعمال والحكومة والبرلمان وتحت مسميات وعناوين ومقايضات متخلفة ومختلفة ، واصبحت حالة مستعصية تتقزم امامها كل مشاريع الأصلاح وسيادة القانون ، والأخطر انه حتى اولئك المؤمنين بمبادئ المساواة قد اضحوا يرضخون لبراثن الواسطة ويمارسون قبولها رغم انوفهم ويصبحون مع الوقت من عمالقة المحسوبية والألتفاف على سيادة القانون .
في هذا الوطن الجميل المبتلى لا يمكن للحكومة – اي حكومة – ان تمارس دورها الدستوري واداءها العام بمأمن عن قبول الواسطة لأن تشكليها يقوم على المحاصصة المناطقية والعرقية والطائفية ، وعلاقتها مع الغرفة الأولى في البرلمان تقوم على المقايضة احياناً والرضوخ للاستقواء والرجاء احايين أخرى ، والأمر ذاته ينطبق على الهيئات والمجالس والمواقع العليا ومجالس ادارة الشركات العامة وامور اخرى كثيرة تستعصي على الحصر .
عقوبة الواسطة والمحسوبية الواردة في قانون النزاهة ومكافحة الفساد لا تحقق الردع ، والحل الأمثل والأسرع للقضاء على هذا الوباء الذي تمكن من خلايا الدولة ومفاصلها هو في سياسة العزل لكل من يطلب الواسطة او يقبلها او يمارس المحسوبية بأي شكل من اشكالها وسن قانون يعطي القضاء الحق في تقرير عدم اهلية النائب او الوزير او شاغل الموقع العام البناء الطبيعي للدولة وأستقرارها وسلمها الأجتماعي .
نريد وطناً يتنفس العدالة الأجتماعية بنكهة الوفاء وعبير الأنتماء لا فرق فيه بين اردني وآخر الا بحجم العطاء ، فالأردن يستحق منا ان نتجرد من انانيتنا وان نرتقي الى مستوى البناة الاوائل ونفكر فيه وله بكل تفانٍ وأخلاص ........!!!