يظن الناس أن سقوط بغداد كان قد بدأ قبل خمسة عشر عاما، لكنني أظن بأنه بدأ مع إندلاع الحرب العراقية-الإيرانية.
ويعتقد الكثيرون أن أبناء العم سام هم الذين أسقطوا الكرخ والرصافة، بيد أنني أعتقد أننا نحن أبناء يعرب الذين أودعوا مدينة السلام في غياهب الجب.
ويأسف العديدون على حال العراقيين هذه الأيام متوهمين بأن أبناء وادي الرافدين هم وحدهم الذين يدفعون ثمن تهاوي تمثال صدام حسين، إلا أنني أرى أننا كلنا ندفع ثمن ذلك، فتجدني كلي أسف على حالنا البائسة.
وكلي إستغراب ودهشة من الملايين من أبناء عدنان وغسان وهم يلعنون أولئك الذين ساهموا من وراء الكواليس بإعتقال صدام حسين وإعدامه، لأنني أجد نفسي وأولئك الملايين مسؤولين بشكل مباشر أو غير مباشر عن تصفيد يديه ولف حبل المشنقة حول عنقه.
وما زلنا نحن العرب نجفف بصمتنا قطرة قطرة من مياه دجلة والفرات، ونهرب بسكوتنا براميل النفط من حقل مجنون وغيره، ونغتال بجبننا كل عراقي مهما كان دينه أو عرقه أو مذهبه أو طائفته، ونحرق بتخلفنا ورقة ورقة من أبحاث ودراسات العلماء العراقيين الجهابذة، وندمر بجهلنا جامعاتهم ومعاهدهم ومدارسهم، ونقصف بغبائنا منازلهم وبيوتهم!
وأكثر من ذلك، نحن أسقطنا أنفسنا بانفسنا! وفي ذكرى سقوطنا لابد لنا من النهوض!
وأول ما يجب ان ينهض أو ان يتم إستنهاضه هو ذواتنا الغارقة في سهاد الأحادية، والملتحفة بلحاف الدكتاتورية!
ولعلني لا أغالي إذا قلت بأننا نحن العرب دكتاتوريون مع أنفسنا، وأحاديون مع ذواتنا أكثر من اي حاكم مستبد عرفه التاريخ! والمفارقة أن الأحادية والدكتاتورية فينا هما سبب ونتيجة! فهما نتيجة أننا لا نقرأ، وهما أحد أسباب عزوفنا عن القراءة!
تناولوا كأس شاي او إستكانة شاي كما يسمونها العراقيون، وإختلوا مع أنفسكم للحظات -فالإختلاء مع النفس مباح- وتساءلوا: لماذا نعاني من عسر الهضم لمفاهيم غيرنا؟ ولماذا لا نتقن فن الإصغاء للآخر؟ ولماذا لا نستسيغ المعتقدات الغريبة؟ ولماذا نجفل إذا سمعنا أفكارا جديدة عن حوار الحضارات لا صراع الحضارات، وعن ثقافة الوصل لا ثقافة الفصل؟
لربما لأننا لانقرأ، وإذا كنا نقرأ، فإنني أعتقد بأننا نقرأ فقط ما هو مسطور بألبابنا! وهذا هو نتيجة وأحد أسباب سقوطنا المدوي في التاسع من نيسان لعام ألفين وثلاث!