لا يلومن أحد أهل غزة على فعل أي شيء لإبقاء قضيتهم حية وسط مؤامرات الأصدقاء والأشقاء قبل الأعداء على مستقبلهم وحقوقهم وأوطانهم...نعم الغزيون يفعلون ويبدعون في سبل الاحتجاج والمقاومة ليس يأسا ولا قنوطا من رحمة رب العباد ،ولكن إصرارا على الحقوق وتشبثا بالأرض والمقدسات.
تخلت معظم الدول العربية عنهم إلا من رحم ربي ،حيث ما زالت مواقف الأردن والسودان والجزائر صامدة رغم ما تتعرض له من ضغوط وتهديد ووعيد.تخلي العرب عن دعم القضية الفلسطينية على جسامته لم يكن الأكثر إيذاء للقضية الفلسطينية، ولكن وقوفهم المستتر والعلني مع العدو ودفاعهم عن حقه بالوجود ،وأن إسرائيل دولة صديقة ليس لها عداوة مع دولهم، وزياراتهم المتبادلة مع الكيان الصهيوني، وفتح الأجواء للملاحة الجوية الإسرائيلية ،والإحجام عن التنديد بقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس،ومحاولة بعض حكام العرب إفشال المؤتمر الإسلامي في تركيا قبل شهر ونيف ،كل هذه الأمور دفعت بأهل غزة إلى التعبير عن رفضهم لما يحاك ضدهم وإشعار العالم أنه وبعد نصف قرن من الاحتلال فإن العودة ما زالت هدفهم وحلمهم .
أهل غزة محاصرون من جميع الجوانب من الكيان الصهيوني ومن السلطة الفلسطينية ومن مصر فماذا يمكنهم أن يفعلوا غير حرق الإطارات على الحدود ! لن يضير أهل غزة تخلي العرب والعالم عنهم فقد تخلى العالم عن نلسون مانديلا وشعب جنوب إفريقيا في نضالهم ضد الأبارتايت واستطاع تحرير شعبه من الطغيان وكذلك استطاع شعب البوسنة تحرير نفسه من الظلم والاستبداد بالتضحيات والإيمان بعدالة قضيته. الغزيون استوعبوا منذ زمن بعيد أن العودة لا تتحقق إلا بالقوة وحرمان الإسرائيليين في المستوطنات وفي المدن الفلسطينية المحتلة من العيش بسلام.نتنياهو كما صرح الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون لن يقبل على السلام مع الفلسطينيين ومواطنيه يسرحون ويمرحون ويتنقلون آمنين في القدس وتل أبيب ونابلس وجنين والناصرة.ما يجلب الإسرائيليين للسلام هي القوة والإصرار على الحقوق وليس التفريط بها كما تفعل السلطة الفلسطينية.
نعم لقد دفع الغزيون أثمانا باهظة لنضالهم، وتحملوا من القسوة وشظف العيش والمهانة وتردي مستويات الحياة ما لم يتحمله شعب آخر حتى لو كان هذا الشعب أشقائهم في الضفة الغربية التي عانت ذاتها من قسوة الاحتلال ولكن بدرجات لا ترقى إلى تلك الوحشية التي عانى منها أهل غزة إبان حروب الإبادة التي شنتها إسرائيل على هذا القطاع المظلوم. أهل غزة اليوم يقفون وحيدين عزلا ومعزولين عن محيطهم العربي الذي انشغل ،وربما أشغل بفعل فاعل واسم الفاعل هنا هو الرئيس ترمب،في مغامرات ومؤامرات هدفها ابتزاز ثروات هذه الدول والسطو على مقدراتها.الأهل في غزة لم يثنيهم تخلي العرب عنهم ولم ترهبهم ترسانة العدو من السلاح الفتاك، وقد دفعوا وما زالوا يدفعون أرواحهم فداء للوطن .لا نلوم أهل غزة إذا ما امتدت أيديهم لكل من يدعمهم في سبيل تحقيق أهدافهم ،سواء كانوا أردنيين أو قطريين أو أتراك أو إيرانيين أو غيرهم ممن ما زالوا يشعرون بواجبهم من منطلقات العروبة أوالدين أو الإنسانية .
أحسن الغزيون صنعا عندما اختاروا حرق العجلات وإطارات السيارات رمزا لحلم عودتهم لأرضهم المسلوبة .فالعودة لن تكون إلا بالقوة والنار وتحت غبار المعارك. انتقل عشرات الألوف من أهل غزة للخط الفاصل مع الكيان الصهيوني مشيا على الأقدام ،ونقلوا عجلاتهم ليحرقوها لإحياء يوم الأرض ،وستكون العودة أيضا مشيا على الأقدام وبإذن الله تحريرا وتطهيرا من رجس الصهاينة كما فعلها الأولى من قبل كعمر ابن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي.طوبى لغزة وأهلها القابضين على جمرهم ومبادئهم والصامدين في مواقعهم لا يزعزعهم تخلي الأشقاء ووحشية الأعداء فهم لعمري من أكرم كرام الأمة كيف لا وهم يقدمون القوافل من الشهداء من أجل قضيتهم وأرضهم.