يتضح لنا كل يوم أنْ لا علاقة لمرور الأيام بالنضج، فهناك أناسٌ يكبرون فقط بمرور الزمن! العمرُ عندَهم مجرد رقم، الأدوارُ والمشاهدُ كلّها عندهم متشابهة ما عدا أنفسهم! يا لبؤسهم، يتحدثون عن الوفاء بمنتهى الغدر ويمارسون المحبة بمنتهى الكراهية!
يا لشناعة الموقف، إذا اردتم أن تكرهونني فلكم مطلقُ الحرية، وجّهوا لي سهامَ كراهيتكم ولكن بصدق... أغدروني ولكن بشجاعة... كيدوا احقدوا فأنا لستُ طبيباً نفسانياً لأقفَ على أمراضكم المزمنة، اكتفي فقط بمسح المحادثة وشطب الرسالة!
أنا لم أفقد الحماسة جرّاء عقبَة أو انتكاسة أو موقف متخاذل منكم، لا ولم أندم على علاقةٍ كشفتْ لي عن حقيقةِ أناسٍ يكبرون بمرور الزمن فقط، لكنني أقوم بتكرار المحاولة مرة تلو المرة طلباً للحقيقة، مخلصاً في القصد أترصّد المحبة وأحرّضُ عليها، لا لنفسها أو مجاراةً للهوى، بل لأنني أهيمُ بها لذاتها، وأبحثُ لنفسي موعداً للقاء نفسي بعيداً عن جوقة الكذابين.
واعجبي! عندما يأتيك الألمُ من حيثُ لا تحتسب! ولأنك لا تجيدُ لعبَ الأدوار ولا تتقنُ لبسَ الأقنعة، عندها لا تملك إلا تضحكَ بصدق وتحبّ بصدق وتحزنَ بصدق، وعندما تبكي فإنك فعلاً تتألم، وعندما تضحك فإنك فعلاً سعيد، لا تغيّر من نفسك يا صاح من أجل أي شخص ولا تعبث بشخصيتك لإرضاء الآخرين!
واعجبي! عندما يكونُ الانسانُ سيءَ المنطق، فلا أشقى منه ولا أتعس حياة ممن يضطرُ لمعاشرته والتعامل معه، شقيٌ من لا يحسن الكلام، ومن يقف على الحياد وقت المعارك الأخلاقية العظيمة، والأشقى منه من لا يحسن الصمت عندما لا يكون في جعبته إلا الكذب، كم تدهشني جرأتهم في الكذب، يا إلهي انهم يكذبون بمنتهى الصدق! ولا يشعرون أنهم يؤلموننا، ربما لأننا نسامحهم في كل مرّة،
ولنا في الحياةِ خيال! لماذا لا نشعر بقيمة الأشياء وجمالها ولذتها إلا عند فقدانها؟ فنحن نحب بعضنا البعض أكثر عند الفراق، ونسامح بعضنا عند الموت، ولا نشعر بجمال اللحظات إلا بعد أن تصبح ذكرى، ولا بوحشة الأشخاص إلا بعد أن يكونوا تحت التراب! أم أنه حبُ الذات والتملك الذي يدفعانك للتشفي وعدم الإحساس بالفقد؟
مشكلتي أنني لا أستطيعُ أن أكونَ غير أنا، يأبى حبرُ قلمي أن يكتبَ إلا من دمي، وتأبى ذاكرتي أن تحفظ َمن الكلمات إلا تلك التي وُلدتْ في وجداني، لا أجيدُ التواجدَ في منتصف الأشياء، أفرحُ في لحظةٍ لدرجةِ الهيجان، وأبكي بعد لحظةٍ لدرجةِ الذوبان، وأنَّى لي أن أكونَ متوازناً بين الحالتين؟