مصطلح التكنوقراطية - كلمة يونانية تتكون من كلمتين تكني اي فني وتقني - وكراتي اي سلطة وحكم وباعتبارها شكلا من أشكال الحكم تعني حرفيا حكومة التقنية ويقال حكومة الكفاءات - وبناء عليه تشكل هذه الحكومة من الطبقة العلمية الفنية المثقفة - وهي حكومة متخصصة في الاقتصاد والصناعة والتجارة غير حزبية ولا تهتم بالحوار السياسي ، وهي لا تنطبق فقط على مستوى الصف الاول من الوزراء وإنما على المستويات الإدارية الاخرى التي يناط بها إدارة شؤون الدولة.


لنأخذ أمثلة من التاريخ - كان ستالين في زيارة لمدينة ليننجراد وكان من ضمن الزيارة - احد مصانع النسيج - الرهبة دفعت كبار المسؤولين الدفع بمهندس صغير ليقوم بعملية الشرح وكان رغم صغر سنه جريئاً فقدم شرحاً وافياً اذهل ستالين وحتى كبار مسؤولي المصنع - وعاد ستالين الى موسكو وكان اول قرار اتخذه هو تعيين هذا المهندس وزيراً لصناعة النسيج - كان اسمه الكسي كوسيفين أشهر رئيس وزراء عرفه الاتحاد السوفيتي.


وفِي نفس السياق عندما قامت الثورة البلشفية في روسيا كان حال الكهرباء فيها بائساً - كان لينين يحلم بكهربة روسيا - فطلب ان يجدوا له أميز مهندس في الكهرباء وسماه بالاسم ولَم يكن من البلاشفة - كان من معارضي النظام - كان المهندس قد ترك عمله كمهندس وعمل كسائق للترام خوفاً من البطش - ولكن - جهاز المخابرات الروسية عرفه فأوقفوا الترام في الشارع العام وأخذوه عنوة - ظن الرجل انها النهاية - جاء الى القصر وأصبح وجها لوجه أمام لينين - دخل الرجل في حوار مع لينين فقال له ليس لي نية ان تكون شيوعيا كن ما شئت كل ما يهمني هو الكهرباء التي في عقلك- روسيا تحتاج الى كهرباء لتحيا وأنت من يساعدها - ذهل الرجل ورغم معارضته للنظام لكنه لم يرفض - فالخدمة لروسيا وليس للنظام فشيد اكبر خزان للتوليد المائي يعمل حتى الان من اكثر من مائة عام وذهب لينين والاتحاد السوفيتي - وبقيت روسيا والكهرباء التي خطط لها.

وبعد الحرب العالمية الثانية والدمار الشامل الذي لحق باليابان توقفت الصناعة تماماً. لم تشكل اليابان لجنة للتخلص من المرافق العامة بل أعلنت اعلاناً غاية في الجرأة بيع كل المصانع التابعة للدولة بسعر دولار واحد لكل مصنع شريطة أن لا يشرد عمال تلك المصانع وأن ينتج المصنع في فترة زمنية محددة وهنا نَفَر الجميع لإعادة بناء مصانعهم - وخططوا ان تكون اليابان دولة صناعية خلال عشرين سنة وبالفعل في عام ١٩٦٠ بدت الصناعات اليابانية تغزوا أسواق العالم.

وفِي نفس الأمثلة استدعى هتلر احد كبار مهندسيه الذين اعتمد عليهم في الحرب وطلب منه إعداد قائمة من أميز المهندسين في شتى المجالات والتخصصات - قام الرجل بإعداد قائمة طويلة - وقدمها لهتلر ، جمعهم وطلب منه أخذه الى جهة آمنة حددها له - احتج المستشارون وقالوا نحن في أمس الحاجة اليهم- كان رد هتلر - اذا خسرت ألمانيا الحرب - هؤلاء من سيعيدون بناءها - وهذا ما حدث - فكان اول مستشار بعد الحرب وهو السيد اديناور - قد استعان بهؤلاء التكنوقراط- لتعود ألمانيا بعد عشرين سنة دولة صناعية ومن أقوى اقتصاديات أوروبا


في التاريخ الاسلامي - كان لدينا خطوط في تولي الادارة - خط الكفاية وخط الولاء - نجحت الدولة عندما تولى الادارة أهل الكفاية - وانحدرت عندما تولى الادارة أهل الولاء بدون كفاية .

اذا كان جل المسؤولين يسمون ساسة - ولا يعملون في السياسة فلماذا لا نتجه الى التكنوقراط الذين نجحوا في مؤسساتهم وكانت لديهم الخبرة - ليكونوا مسؤولين عن عملية الإنقاذ - ولنترك جانباً في هذه المرحلة شعار حكومة الإنقاذ الوطني - لانها ربما لن تكون احسن حالاً من سابقاتها.


Drfaiez@hotmail.com