المشـكـلــة ليـسـت هـنــا
حسين الرواشدة
05-04-2018 01:38 AM
دعونا نفترض جدلاً أننا نستطيع ان نقنع الشباب الذين يخرجون كل ليلة في احدى المحافظات مطالبين بالاصلاح بالكف عن التظاهر والاعتصام، ونقنع النخب المعارضة بقبول ما قدمناه من وصفات اقتصادية اصلاحية وتشريعات سياسية، وبالانصراف – راشدين – من مربع الحرد والانتقاد للجلوس على طاولة الحوار.
دعونا نفترض – جدلاً ايضاً – بأننا نستطيع ان ندفع بعشرات الآلاف من المواطنين لاقامة مهرجانات حافلة تحتفي بما انجزناه من اصلاحات، وترفع الشكر والاعتزاز للحكومة وللنواب وتتعهد بمواجهة “الانتهازيين” ومنعهم من تعكير صفو المجتمع وأمنه واستقراره.
لو حصل ذلك، واكثر منه، هل بوسعنا ان نطمئن بأن بلدنا بخير، وبأن ازماتنا حُلّت، ومشكلاتنا انتهت؟، هل الاصلاح الذي انجزناه حتى الآن سيضعنا على سكة السلامة؟، هل بوسعنا ان نقنع الاغلبية التي لا تزال صامتة بمزيد من الصبر على الفقر والبطالة وعلى تحمل المزيد من الضرائب والغلاء، وانتظار الفرج “الاقتصادي”؟.. هل بوسعنا ان نردع “الفاسدين” عن نهب المزيد من الاموال، ونمنع “الانتهازيين” من اختطاف السلطة والصلاحيات، ونعيد للعمل العام اخلاقياته التي انقرضت؟ هل نستطيع ان نقيم موازين العدالة ليقف الناس امامها بلا تمييز؟
المشكلة إذن ليست في “اعتصامات” هؤلاء الشباب سواء في الساحات التي اختاروها او على منصات وسائل التواصل الاجتماعي ( حيث الواقع الافتراضي الذي يهربون اليه)، ولا في الشخصيات المعارضة التي “لا يعجبها العجب” ولا في ابنائنا الذين كسروا عصا الطاعة وتمردوا على “الاوامر”؛ المشكلة مع الناس الذين اكتشفوا بأنهم تغيروا وصار لزاماً على “المسؤول” ان يتغير ايضاً، مع الناس الذين فطنوا لحقوقهم وما لحق بهم من ظلم فنهضوا للمطالبة بها، حتى وهم جالسون في بيوتهم، مع هؤلاء الذين اتعبتهم مقررات السياسة واخطاؤها، وانتظروا طويلا ساعة “الفرج” لكنهم تفاجأوا بواقع لم تصدقه اعينهم، المشكلة مع “الصمت” حين لا يستطيع احد ان يتنبأ بموعد انقطاعه، ومع “الصبر” الذي لا نعرف متى يتحول الى “قهر”، ومع الاحتقانات التي لا ندرك انها قد تتغلغل وتمتد وتنفجر ايضا.
يمكن ان ينجح البعض في “اجهاض” مشروع الاصلاح، او – على الاقل – تأجيله وترحيله الى وقت قد يطول، ويمكن –ايضا- ان ينجح بتصميم مخارج “انتخابية” واخرى “تشريعية” وان يجتهد في “الترويج” وفي تزيين الصورة، لكن هل نستطيع ان نقنع انفسنا بأننا “تجاوزنا” امتحان الاصلاح بنجاح، او ان بلدنا خرج من الازمات التي تحاصره من كل اتجاه الى صيف مشمس لا تتوعده العواصف الرملية؟ هل نطمئن بأننا حجزنا “مقعدا” مريحا في قطار “الاستثناء” الذي ازدحم الآخرون بحثاً عن مقاعد لهم فيه.
رجاءً، دعونا نخرج من هذه “الدربكة” ونتوجه الى عنوان وحيد هو خيارنا وفرصتنا الاخيرة، عنوان “التحول” الديمقراطي الحقيقي الذي جرّبه غيرنا منذ زمن بعيد، لا جدوى من التأجيل ومن “التزويق”،، لا معنى لكل هذه السجالات والمناورات، نريد ان نكسب الوقت، ونكسب البلد ايضاً، نريد ان تخرج “ثورة” سلمية من رحم نظامنا السياسي، وان يقتنع بها كل الناس.
الدستور