-1-
عليك أن تقرأ ما كتبه صديقي المواطن أبو يحيى العربي بعينيْ قلبك، قبل أن تقرأه بعينيْ رأسك، فهي كتابة خالية من أي محسنات لفظية، وموغلة باللهجة المحكية الجميلة، وربما تحتوي «مصطلحات!» ريفية لا يعرفها إلا الراسخون في علم اللهجات الأردنية، خاصة في منطقة جرش، كنت وأنا أقرأ ما خط قلمه الصريح أضحك من كل قلبي، رغم أنه ضحك اسود، أقرب إلى البكاء، فهو يعطيك صورة نموذجية لمواطن أردني حقيقي، بلا رتوش أو تزييف أو أي «محسنات»!
-2-
تعالوا بنا نقرأ ما كتبه لي أبو يحيى.. والاعتذار لأهل اللغة العربية الفصحى، ولقرائنا من غير الأردنيين، الذين قد يحتاجون إلى «مترجم» خاص، لفك معاني بعض الكلمات المبهمة التي لا وجود لها إلا في لهجتنا المحلية..
رحت متأخر لصلاة العشا .....وقفت عادي. وظليت متذكر كم فاتني من صلاة ..حتى أجاني خاطر ..قلي ..شو رأيك بسعر الدخان اليوم ...فجأة انفصلت عن الواقع وطفت الكهربا علي مو على الجامع ..وبطلت اسمع صوت الإمام بتاتا ..نزلوا ركوع نزلت معهم ...بالأثناء نفسي حدثتني ..أنت قريت الفاتحة يا محترم ..شهقت وحطيت إيدي على ثمي من المفاجأة. وحكيتلها ..مش عارف ..والله منا عارف ..اجيت اقراها للتوكيد مرة ثانية ..فات موعدها وميعادها ..وين الدنيا ووين اهلها ..صرنا بالسجود. وين حد علمك. هيك نفسي الأمارة بالسفالة حكتلي ...
وقفنا بالركعة الرابعة ..هوب .. يا حزيرتك يا مزيرتك ..نسيت قديش كم ركعة راحت علي هنه وحده ولا ثنتين..؟ وقضب زلم ..
وأعيد الشريط من أوله ..من فتت على الجامع وين طليت وشو شفت وجنب مين وقفت ..كل هالمحاولات ..حتى اعرف اللي فاتني ركعة ولا ركعتين ..وبعز الهرج والمرج اللي بخابطني ..يجيني خاطر مستعجل وبنفس التوقيت ..وعلى شكل صوت المره (يقصد زوجته).. «ترى الكاز على وشك يخلص ..والارصاد بتحكي فيه ثلج ومنخفض قوي يوم الجمعة» ...
اتذكرت اني واقف بصلاة ..ولا ناوي اخبط كف بكف ...بلوزتي بسحاب قد ما انخنقت حسيت الملقي شخصي قاعد بشد بذرعانه على جوزتي .انخنقت. فتحت السحاب ..عرقت ..رغم اني بصلي لزق للصوبة ... وضربت الأسلاك ببعض ...في اللحظة اللي كنت أحث الذاكرة سن سن ..حتى تتذكر كم ركعة فاتني ..بتلك اللحظة ..بالضبط ..نسيت احنا بنصلي اي فرض من الخمسة ..هو مغرب ولا فجر ولا اعشى .. اعوذ بالله ..محصور ..لا ذاكرتي مسعفيتني ..ولا قادر اسألي جار ..كم راح وفاتني ... قلت ..فيش حل ..إلا أستنى بعد ما يسلم الإمام ويخلص صلاة ..واشوف جيراني ..لأنهم متأخرين معي .. وحتى أضمن بالضبط ..قديش فات ..قلت لازم أستناهم .ما بصير أسابقهم وأركع قبلهم .. وبناء عليه ..هات للمشحرين ..يركعوا ..صاروا ع دوري ملالي ...استنى استنى ... في فترة انتظارهم تلك ..بدل السورة من صغار السور قريت خمسة ... سجدوا ..وقعدوا ..وما قاموا .. عرفت انه اللي فاتني ركعة وحده مش ثنتين .... وهيك صار ..!!
-3-
أبو يحيى، رجل شجاع، قلة من الناس من يعترف بمثل اعترافاته، خاصة وأن الحديث يدور عن صلاة، وكم من يدعون أنهم يؤدونها في خشوع وانسجام، وما هم كذلك، لكن الأهم أن كلمات أبي يحيى جارحة إلى حد البكاء، فهي ترسم صورة دراماتيكية لما يجري –ربما- داخل طيف ضخم من المواطنين، ممن «لخمتهم» الزيادات الأخيرة بالأسعار!
الصورة التي رسمها أبو يحيى أكثر من واقعية، وإن كانت من نوع الكوميديا السوداء، حيث تفصم المواطن وتحول بينه وبين ربه، وتلك قمة المأساة، التي لا يكاد يعرف أحد إلى أين ستوصل المجتمع، فهو يبدو هادئا الآن، عاضا على جرحه، ولكن إلى متى؟
الدستور