لا توجد ادارة مضطربة، مثل الإدارة الاميركية، في تعاملها مع الملف السوري، وحتى بقية الملفات، ولو عدنا الى سياسات هذه الادارة، وتصريحات الرئيس الاميركي، وفريقه، لوجدنا عشرات الادلة على هذا الاضطراب، بما يجعل كل موقف جديد، قابلا للتأويل على اكثر من وجه.
آخر تصريحات الرئيس الاميركي، اعلانه عن رغبته بسحب الفي جندي اميركي من سوريا، وعلى الرغم من معرفة الرئيس ذاته، ان وجود هذه القوات يأتي لعدة اعتبارات، بعضها يتعلق بأمن اسرائيل اولا، وثانيها يرتبط بالمواجهة الروسية الاميركية في سوريا، وساحات اخرى، ثم ملف الجماعات المتشددة، ورابعا ملف الثروات النفطية في سوريا، وخامسا ما يرتبط بمشروع اعادة رسم خريطة المنطقة، الا ان الرئيس يدلي بهذا التصريح، متناسيا كل العناصر السابقة، وفوقها ملف النفوذ الايراني، وما يريده حلفاء واشنطن في المنطقة، كاعتبار سادس.
على الارجح، ان هذه محاولة ابتزاز جديدة للمنطقة، ولا يصدق كثيرون، ان واشنطن سوف تخلي الساحة السورية، تماما. ربما تحدث عمليات اعادة تموضع لهذه القوات، ولشكل التدخل الاميركي في سوريا، او تأمين مصالح واشنطن بطرق مختلفة، خصوصا، ان وجود الاميركان في سوريا، يرتبط من جهة اخرى، بحسابات لها علاقة ايضا بالعرب والاتراك، واتفاقيات التهدئة.
معنى الكلام، ان الانسحاب قد لا يكون قرارا نهائيا، خصوصا، ان ادارات عسكرية وامنية في الولايات المتحدة ضد هذا القرار، لاعتبارات تتعلق بتقييمات الوضع في سوريا، والوضع في الاقليم.
ما الذي يريده الرئيس الاميركي اذاً من هكذا تصريح، الذي سبقه التراجع عن دفع مبلغ مئتي مليون دولار، لاعادة الاعمار في سوريا؟.
على الارجح ان كل القصة تتمحور حول مبدأ جديد وواضح جدا دون دبلوماسية في سياسات واشنطن، ويحمل مضمونا محددا، يقول ان كل دور اميركي يجب ان يكون مدفوع الثمن، وهذا يفسر وقف المنحة المالية، من جهة، ثم اعلان انسحاب القوات، وكأن واشنطن تقول ان الاخلاء الاميركي المحتمل، سيؤدي الى نتائج وخيمة ضد مصالح المنطقة، لصالح المعسكر الروسي الايراني، وتوابعهما في المنطقة، بما سيؤدي الى محاولات منع واشنطن التوجه فعليا لهكذا قرار، خشية الاضرار بحسابات اقليمية.
لا احد في المنطقة، يريد ان يبقى الاميركان او الروس، او الايرانيون في اي دولة عربية، حتى لا تتحول القصة، الى مجرد استغاثات من اجل ان تبقى واشنطن في سوريا، لكن عبر حسابات كثيرة، فإن واشنطن لن تنسحب من سوريا، لاعتبارات تخصها مباشرة، وتخص اسرائيل، والمعسكر الروسي الايراني.
وبهذا الاستخلاص يقال ان الكلام عن انسحاب كامل، مجرد تكتيك تتورط فيه ادارة واشنطن، لاعتبارات مختلفة، وكل ما يمكنها فعله في هذا التوقيت، ان تعيد التموضع، وتسحب عددا محدودا جزئيا، من قواتها في احسن الحالات، دون ان يخل ذلك بوجود قواعد عسكرية لها، قائمة حاليا، في شمال سوريا، ومواقع اخرى.
لابد من الاشارة هنا، الى ان هناك اصواتا كثيرة، داخل الكونغرس، ضد الانسحاب الاميركي من سوريا، فالازمة لم تنته، ولا يمكن في الحسابات الجيوسياسية ان تقدم واشنطن على هكذا قرار، مع التأكيدات على ان لا صفقة روسية اميركية سرية، ستؤدي الى هذا الانسحاب.
علينا ان ننتظر فعليا، الذي ستأتي به الايام المقبلة، واذا ما كان هذا القرار سينفذ فعليا، ام سيتم ضمه الى سلسلة تفوهات الرئيس الوظيفية والمقصودة لغايات متعددة.
الدستور