من موقع الصدق والإنسجام مع النفس، يجب القول ودون مواربة أن تحريف الحقائق وتزوير الصور ونشرها عبر وسائل التواصل الإجتماعي أو في المسيرات لاعلاقة له بحرية التعبير من قريب أو بعيد.
فقد انتشرت صورة لأحد الزملاء المصورين الصحفيين منذ يومين مع رئيس الوزراء مع تعليق يشير كذبا وزورا أن الشخص الموجود في الصورة إلى جانب الرئيس هو منفذ عملية السطو على أحد البنوك التي جرت مطلع الأسبوع الحالي!
من الواضح أن الشخص او الأشخاص الذين استخرجوا تلك الصورة من الأرشيف أرادوا استغلال الأجواء المشحونة المصاحبة لحادثة السطو للنيل من رئيس الوزراء وإظهار أن الحديث الذي أشار فيه إلى عدم معرفته بالمتهم عار عن الصحة.
من حق أي جهة أن تعبر عن رأيها بالطريقة التي تراها مناسبة، شريطة الإستناد إلى الحقائق والمعلومات الصحيحة.
وكما نطالب الحكومة بالتسلح بالحقائق لدى مخاطبتها للمواطنين، فمن الطبيعي أن نطالب الجهات المعارضة أيضا أن تلجأ إلى المعلومات والحقائق إذا مأ أرادت أن تعبر عن رأيها أو معارضتها للحكومة او حتى شخص رئيس الوزراء.
وفي حقيقية الأمر، فقد تفاقمت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة لدرجة أربكت المواطن وخلقت لديه قدرا من التشويش، فقد أطلقت على سبيل المثال شعارات في بعض المسيرات لا تمت للحقيقة بصلة وتم النيل من كرامات الناس ظلما وزورا وبهتانا ودون الاستناد الى أية حقائق راسخة أو معلومات مؤكدة.
إن مقياس العدالة يجب أن يكون واحدا لايتجزأ، فكما نقف بشراسة مع حقوق المواطن رافضين التغول عليه من أي جهة، فمن الواجب أن نقف بشراسة أيضا ضد من يطلق إتهامات ظالمة في الفضاء الإلكتروني أو في المسيرات والتجمعات، إذ أن السكوت على هذه التجاوزات التي تطعن في كرامات الناس دون وجه حق يجعلنا شركاء في الذنب والجرم، فالظلم مرتعه وخيم.
ومن المعلوم أن قانون منع الجرائم الإلكترونية يجعل من يعيد إرسال مادة معينة إلى آخرين شريكا في إية تبعات قانونية قد تترتب على تلك المادة.
إننا في أمس الحاجة لتعزيز الثقافة الإعلامية لدى المواطنين كافة، فقد أصبح الكثيرون مستهلكين للمنتج الإعلامي دون أن يكون لدى كثير منهم الحد الأدنى من المعرفة بأولويات العمل الإعلامي. ونحن لانريد أن يتحول الناس – كل الناس – إلى إعلاميين، ولكن امتلاك الحد الدنى من الثقافة الإعلامية أصبح ضروريا لأن معظم الناس يتعاملون مع الإعلام دون معرفة تقاليده وأسسه..
إن هذه ليس مصادرة لحق المعارضة في توجيه النقد للحكومة أو لرئيس الوزراء أو للشخصيات العامة، ولكنه مجرد تأكيد على ضرورة إقتران هذا الحق بتوخي الصدق والحقيقة في ما يقال وينشر.
فإن يكون الأنسان ناقدا ومعارضا للسلطة ورموزها لايجعله في حل من أمره بحيث يختلق مايشاء من الصور والقصص والحكايات للنيل من أشخاص السلطة ورموزها. ويجب الا يكتفي رافضو هذه الممارسات من عقلاء المعارضة بالضحك وتجاهل الأمر، بل يجب عليهم أن يعلنوا غضبهم ورفضهم لهذه التجاوزات التي تضعف مصداقيتهم حميعاً، فالسكوت في هذه الحالة يفسر على أنه رضى أو إقراراً لهذه المارسات.
يجب أن تغار المعارضة على تقاليدها وعلى مصداقيتها، وأن تقف موقف الرافض لأي نقد للسلطة ورموزها لايستند إلى حقائق مؤكدة ومعلومات موثقة، فالقبول بهذه التجاوزات أو عدم التصدي لها بحسم يشوه صورة المعارضة كلها ويضعف مواقفها لدى الناس الذين قد يرون أنها تستند إلى إشاعات أو تكهنات لاإلى حقائق راسخة.
لقد اعتدنا أن نطالب الحكومة بالتدخل، وهي بلاشك مطالبة بالتدخل في حل الكثير من القضايا، ولكن المطالبين بالتدخل هنا هم عقلاء وحكماء المعارضة الذين يجب ألا يسكتوا على المعلومات الخاطئة التي تنتشر في وسائل التواصل الإجتماعي وخلال المسيرات، إذ أن السكوت على ذلك يضعف مصداقيتهم جميعا ويسيء إلى مجمل رواية المعارضة للأحداث.. وقد آن الأوان لهم لكي يضطلعوا بهذه الأمانة حفاظا على مسيرة وتقاليد المعارضة ذاتها وليس دفاعا عن السلطة ورموزها؟؟
الرأي