سألني قارئ لمقالي, المنشور على صفحات الرأي الغراء يوم الاربعاء الماضي, عن سر تفوق دائرة المخابرات العامة في المواجهة, مع الارهاب والتكفير والمنظمات التي تتبناهما, وهو التفوق الذي صار محل اجماع, ليس على صعيد الوطن فقط, بل وعلى الصعيد العالمي, حيث يعترف بهذا التفوق العدو قبل الصديق, ومما يزيد من قيمة هذا التفوق أنه يتم بصمت, في الوقت الذي يعلو فيه صخب وثرثرة الكثير من الجهات, التي تقول كل المؤشرات انها اخفقت بامتياز في اداء دورها بمحاربة الارهاب, هذا اذا كان للكثير من هذه الجهات دور من حيث المبدأ, وهنا يكمن سر من اسرار تفوق مخابراتنا العامة, واخفاق الكثير من الجهات التي تدعي محاربة الارهاب, ففي الوقت الذي تعمل فيه مخابراتنا العامة بصمت وجديه آناء الليل واطراف النهار يمضي الاخرون اوقاتهم بالثرثرة التي لا تقدم ولا تؤخر وبخاصة على صعيد محاربة الارهاب.
ان الفرق بين العمل الجاد, والثرثرة الفارغة يشكل جزءا من الاجابة على السؤال الذي طرحه القارئ العزيز, و هو سؤال جوهري ومركزي, تحتاج الاجابة عليه الى الكثير من الصراحة, والجرأة التي قد تغضب الكثيرين, من الذين رأوا في موجة الارهاب التكفيري فرصة للاثراء الحرام, عندما حولوا محاربة الارهاب الى مشروع تجاري للإرتزاق, الذي أخذ الكثير من الاشكال, وبخاصة على صعيد تأسيس الجمعيات والمراكز التي لا تفعل شيئاً الا عقد الندوات والمؤتمرات, في الفنادق الفخمة والصالات الفارهة, والتي تشارك فيها نفس الوجوه الكالحة, في معظم الاحيان, والتي تراها في عمان وبيروت والقاهرة ولندن وجاكرتا, فقد استوطن بعض المترزقين من محاربة الارهاب في الفنادق والطائرات, وصار ادعاء الحرب على الارهاب مصدر رزقهم.
لقد نسي هؤلاء الذين استوطنوا الفنادق والطائرات بان معركة الامة مع الارهاب التكفيري, ليست في الفنادق الفخمة ولا في الصالات الفارهة, التي يعاد فيها الكلام الممجوج الذي يحوم حول مظاهر قضية الإرهاب ويصف افرازاتها, دون ان يغوص الى اعماق الظاهرة فيحلل خطابها, بعد ان يحلل تركيبتها النفسية والعقلية, فما تحتاجه الحرب على الإرهاب هو عمق في الفكر والفهم للظاهرة, لا خطب حماسية مكررة, ومواضيع انشاء يزعم اصحابها كذباً انها اوراق عمل, يغير بعضهم عناوينها وتواريخها من مؤتمر الى مؤتمر, من هذه المؤتمرات التي تعقد في الفنادق الفارهة, بعيداً عن ساحة المعركة الحقيقة مع الارهاب في حواري وازقة مدننا وفي اريافنا, حيث يستغل التكفيريون اوضاع الناس الاقتصادية, او بساطة معرفتهم بالفقه واحكامه, ليجندوا شباب الامة, وينشروا بينهم فتاواهم المشوهة, التي تحرف الدين لتخرج الجهاد عن مقاصده الحقيقية , وهنا تبرز حقيقة مؤلمة, مفادها أنه لو قامت الكثير من الجهات التي تدعي الان محاربتها للإرهاب كوزارات الاوقاف ودوائر الافتاء والروابط والمنتديات والجمعيات والهيئات, بادوارها المناطة بها اصلاً, لتحصين المجتمع من التطرف, والتعصب الذي يولد الارهاب لما وصلنا الى ما نحن عليه, من انتشار الفكر التكفيري.
إن تقصير هذه الجهات في اداء واجباتها كان وما زال من اهم اسباب بروز الفكر التكفيري وانتشاره, وهو عين القصور الذي لازم ادوارها في مواجهة موجة الارهاب التكفيري, لأن هذه المواجهة لا يمكن ان تؤتي أكلها عبر مؤتمرات «السفر والزفر» لكنها تحتاج الى جهد ميداني, وعمل رسالي, وهذا اول اسرار تفوق دائرة المخابرات العامة ورجالها على غيرهم في مواجهة موجة التكفير, فهؤلاء الرجال يمارسون حربهم على الارهاب بمفهوم رسالي, يجعل صاحبه مهموما باداء مهمته مبتكراً في هذا الاداء, وهو مفهوم تحركه عقيده قتالية, تحكمه استراتيجية عمل متكاملة, واضحة الرؤية, وقد غاب هذا المفهوم عن معظم المتصدين لمحاربة الارهاب لاسباب تجارية لأنهم يتعاملون مع هذه القضية الاستراتيجية بالقطعة وعلى طريقة « دكاكين المفرق», وحسب مصادر التمويل, لذلك جاءت اعمالهم جزئية متقطعة, تغيب عنها الرؤية الواضحة, والهدف المحدد, اللهم الا هدف الارتزاق, وهذا اول الفروق الجوهرية بين اداء ابطال المخابرات العامة وانجازاتهم المتوالية في محاربة الارهاب التكفيري واداء نجوم الفنادق واخفاقاتهم المتوالية في هذه الحرب.
لقد أدت الفروق الجوهرية بين اداء دائرة مخابراتنا العامة في محاربة آفة الإرهاب ومنطلقات هذا الاداء وبين اداء نجوم مؤتمرات «السفر والزفر» في مواجهتها للأرهاب الى وصل الأمة الى مرحلة معالجة هذه الظاهرة, وهي المرحلة التي تتولاها الاجهزة الأمنية, والتي ما كنا لنصل إليها لو ان الكثيرين من نجوم المؤتمرات ومؤسساتهم قاموا بأدوارهم في تحصين الامة ضد آفة الارهاب التكفيري, وهذا فرق اخر جوهري كبير بين اداء مخابراتنا الاردنية على وجه التحديد وبين نجوم المؤتمرات ومؤسساتهم, هو الفرق بين من يقوم بأداء واجبه في الوقت المناسب ومن يتقاعس عن ذلك, ثم يحاول استغلال المحنة عند وقوعها, ولهذا عرفنا في السنوات الاخيرة صنفاً جديداً من اصناف اثرياء الحروب هم اثرياء الحرب على الارهاب.
الرأي