أحدهم يستعيد ثارات القبليّة بأسوأ وجوهها ، ويتباهى بأن قبيلته عندما كانت تغزو جاراتها ، كنتم أنتم كقبيلة "بني حسن " نائمون ..!!
ربما ذاك البدوي الذي ترك كل جمال قيم البدو والبداوة، ما زال أسير ثقافة " الغزو" في عصر الذكاء الصناعي والتسارع التكنولوجي والإبتكار ، رهين ضيق الأفق ومتأثرا بمسسلات "غليص " والكابوي .
بنو حسن الذين أتوا مع طلائع جيش صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس ، بعضهم بقي هناك مستقرا في قراهم بالقرب من القدس وجنين وغيرها ، والعدد الأكبر أقاموا في شرق الأردن ، بالقرب من نهر (سيل ) الزرقاء ومغاريب المفرق وجرش ، كانت مساحة الأراضي التي تملكوها تقارب مساحة الضفة الغربية ، ضمن قرى مزروعة ما بين التلال وعلى أطراف السهول والسفوح ، وفي كل قرية عين ماء ، إستوطنوا مبكرا وإمتهنوا رعي الأغنام وزرعوا أراضيهم التي كانت تغل بالقمح والشعير والعدس والخير ، لم يغزوا القبائل المجاورة ، بل صنعوا أحلافا معهم ومدّوا جسور المحبة وحسن الجوار والمصاهرة ضمن أراضي البلقاء الممتدة من سيل الزرقاء شمالا حتى وادي الموجب جنوبا ، كان إبن قلاب أحد شيوخ بني حسن وأشهر قضاة البلقاء المشهود لهم ، والذي لم تردّ له كلمة .. مثله مثل الشيخ الحر شهاب الحمد الزيودي شيخ "الثلث" وكان دائم الحضور في مجلس الأمير عبدالله وأحد مستشاريه المقرّبين. فرسانهم معروفين بالشجاعة التي وظفت لحماية المظلوم وردّ المعتدي ، وحماية العرض والأرض والمستجير ، وليس للتسلط على رقاب الخلق وسرقة رزقهم ... كان الشاعر حسن الزيودي الملقب ب" زناد البلقاء" هو وزير إعلام حلف البلقاء تتناقل قصائده بين الشفاه كما ماء الينابيع الصافية الرقراقة التي ترويهم .
ربما لم يسمع بصاحب الجود والكرم تمر الغويري والذي لقّب ب" حاتم البلقاء" ، الذي كان أحد بيوت الخبز في البلاد الذي يتوافد عليه طلاّب الحاجة والعوز ، حتى أنه مدّ قبيلة عنزة بالقمح والمونة في الحجاز عندما طغاهم القحط في إحدى سنين المحل .
بنو حسن معروفين بمواقفهم الكبيرة ، ودفعوا ثمنا عاليا لقاء عدم خضوعهم لأحد ، وهذا نتاجه اليوم نراه من التهميش والتغييب وتوزيع المغانم والمحاصصة ،
هنا لا أدافع عن القبليّة بأسوأ ما أفرزت من قيم لا تحترم دولة القانون والمؤسسات وتعددية وتنوع المجتمع وقيم المواطنة ، ولكن أردّ على ذلك "الفارس" المسكون بعقدة الغزو التي لم يخرج منها ، وكثيرون مثله بالتعامل مع الدولة ومؤسساتها ، والتعدّي على المال العام ، وأن الوظيفة العامة هي مزرعة للوالد .
هذا وطن حماه الرجال بمُقل عيونهم قبل حدّ سيوفهم ودمهم ، لا فضل لأحد على أحد إلا بمقدار ما خدم الوطن ، فالمباهاة ليس بالعشيرة ولا بالدين ولا بالجنس وإنما بالفروسية المتمثلة بالعمل الصادق الذي يبقى في الأرض ، أما الزبد فيذهب جفاء .