-1-
الاتحاد الأوروبي هو دولة خلافة على الطريقة الغربية، كما هي أمريكا، دولة خلافة على الطريقة الأمريكية، مجموعة كيانات تنضوي تحت حكم مركزي أو شكل ما من أشكال الاتحاد، لا يختلف مفهوم دولة الخلافة كثيرا عما هو قائم في أوروبا وأميركا، فلم يصاب البعض بمس من الجنون، حين نتحدث في الشرق عن دولة الخلافة الخاصة بنا؟
أهي حلال عليهم حرام علينا؟
أنا لا أتحدث هنا عن المسخ الذي أقامه «داعش» أو «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وحوله إلى مفهوم مرتبط بالرعب والإرهاب والجنون والخرافات أيضا، بل عن نظام سياسي استلهمه الغرب.
يقول الكاتب د. حلمي محمد القاعود، إن الخلافة بمنطق التاريخ ومنطق أيامنا تعني التوحد تحت راية واحدة تحقق التكامل الاقتصادي والسياسي والعسكري، وقد استطاع الغرب الصليبي، بعد أن ودع الهمجية بين شعوبه أن يصل إلى آليات تحقق التفاهم فيما بينها، والسلام بين دولها، والتقدم في المجالات العلمية والصناعية والاجتماعية وحركة التواصل في الموانئ والمطارات والحدود، لقد بدأ الغرب الصليبي الاستعماري عمله لتحقيق الخلافة الأوروبية عقب قيام الجامعة العربية بنحو عشر سنوات، فحقق الوحدة الاقتصادية عن طريق السوق المشتركة، ووصل في نهايات القرن العشرين إلى ما يسمى الآن بـ»الاتحاد الأوروبي»، الذي يتكون من جميع الدول الأوروبية تقريباً عدا تركيا وكوسوفو ودول قليلة، وله برلمان موحد ومفوضية أو حكومة موحدة. ويضيف في مقال له في مجلة المجتمع الكويتية، إن الخلافة الأوروبية حقيقة قائمة اليوم، لا يستنكرها أحد، ولا يهجوها أحد، ولا يدعي عليها أحد بما ليس فيها مثلما يفعل خدام الغرب واليهود في بلادنا، وأظن أن المسلمين والمصريين في أغلبهم يتمنون لو أقيمت خلافة إسلامية راشدة على غرار النمط الأوروبي الراهن، لتحقق التكامل فيما بينهم، وتحميهم من التحرش الصليبي اليهودي الذي لا يتوقف، ويشن عليهم الحروب الدامية المدمرة التي تسحق الملايين من المسلمين، وتخلف ملايين أخرى من الأيتام والأرامل والجرحى والمصابين، فضلاً عن الخسائر المادية والمعنوية.
وكما هو شأن الأمم الأوروبية، كان شأن الأمة الأمريكية، فقد اجتمعت بولاياتها الخمسين على بناء نظام حكم سياسي أشبه ما يكون بالخلافة، مع فارق في بعض التفاصيل، لكن كنه النظام هو هو كما في نظام الخلافة الإسلامي!
-2-
لا ننكر أن الألف وأربعمائة عام التي حكمنا بها نظام الخلافة لم يكن على سوية واحدة، فقد شابها الكثير من السلبيات والإخفاقات، ولكن في الوقت نفسه، لم نكن أمة على هامش التاريخ، بل كنا صناعه وسادته، وسدنته، وقدمنا للبشرية أفضل ما عندنا، من علوم وآداب وفلسفة وقيم وتنوير، والأهم أننا لم نكن تبعا لأحد، حتى لو ظلم بعضنا البعض الآخر، ونكل به، إلا أننا كنا مهابي الجانب، وحتى تلك الغزوات الشرسة التي تعرضنا لها من الخارج، كنا نتصدى لها بكل رجولة وببسالة، فدفنا الغزاة في أرضنا، بل امتد نفوذنا إلى أصقاع الأرض، وتركنا في كل مكان وصلناه بصمة حضارية وأثرا مدنيا فلم نكن غزاة متوحشين، أو مستعمرين، شأن من ورثونا في قيادة العالم، ولم نرتكب ما ارتكبوه من مجازر وفظاعات، ولم نفرض على العالم نظاما اقتصاديا وسياسيا ظالما، يكاد يدمر ما بقي من خير على وجه الأرض!
ولهذا كله، ما أن يذكر لفظ الخلافة حتى يصاب البعض بمس من الجنون، فيبدأ بشيطنتها وإلحاقها بالخرافات، والأوهام، وكيف لا، وهي الكابوس الذي يزورهم في مناماتهم، حتى ونحن الآن نلهث في ذيل القافلة، ما يثبت أن جذوتها لم تزل تشتعل، وإن كانت تحت طبقات سميكة من الوحل والرماد والتراب!
الدستور