يقال أن مصطلح الإعلام المهزوز هو الإعلام الذي لا يرتكز على ثوابت وقواعد مهنية يسير عليها ويعتمدها في معالجة القضايا الوطنية والإقليمية والدولية.
وهو بنفس الوقت الإعلام الذي تتعدد مرجعياته, فيصبح الإعلامي في حيرة؛ من يعتمد ومن يصدق ومن يعود اليه في المعلومة الصادقة, وكيف تؤطر بل ما هي السياسات الثابتة والتوجهات العامة التي توضح مسيرة عمل الوسيلة الإعلامية.
بصراحة و شفافية, ما زال إعلامنا العام والخاص يعيش حالة من الضياع, فالمحلل للمشهد وكيفية تناول بعض الوسائل للأحداث والتدخل العنيف للوسيلة في دفع الناس وإيحائهم نحو موقف محدد بغض النظر عن الواقع والحقيقية, هو قفز وتجاوز لأبسط قواعد العمل الإعلامي ومسؤولياته المعرفية, ودوره في البحث عن الحقيقة وتعزيز المعرفة وتوعية الناس بالمعلومة الصادقة!!.
وهذا لا ينطبق على العديد من وسائل الإعلام الخاص, بل نجد العدوى قد حلت على أجهزة الإعلام الحكومي المصاب دائما بمرض الصمت وعدم الإستجابة, وهو مرض خطير في علم الإعلام لأن السبق هو أساس الثقة والتفوق الإعلامي خاصة الممزوج بالدقة والموضوعية والشمولية.
إعلامنا وخاصة الحكومي ما زال مكبل جراء حالة الإنتظار التي يعيشها الإعلامي, والخوف التي يعانيها صاحب القرار الإعلامي المباشر لوسائل الإعلام. فلماذا هذا الخوف ولماذا هذا التردد وانتظار الإيعاز من وزير شؤون لإعلام. وهل الإعلام الحر والواثق, والمنبثق من سياسات الرؤية الملكية للإعلام يحتاج الى موافقات مسبقة؟!
وهل التوجهات الوطنية وأولوياته وثوابته تحتاج إلى تأكيد, ولماذا يوضع وزير شؤون الإعلام كشماعة تعلق عليها ضعف الاداء والتقدير والمبادرة لقادة الإعلام الحكومي؟!
الأمر لا يحتاج أكثر من جهود مهنية ومشاركة عامة لأي حدث, وخصوصية لاحقة تعطي السبق لإعلامنا الرسمي, ما نتطلع اليه أن يكون الإعلام الحكومي جزء من المنظومة الإعلامية وليس طرف معزول يفقد الثقة والمصداقية يوما بعد يوم.
ما دفعني لهذه المقدمة تلك الضجة غير المبررة من الإعلام الاردني بأطرافه التلفزيونية والإذاعية والإلكترونية حول موضوع سرقة بنك خلدا على يد أحد افراد عائلة الملقي, وهذا التهويل والتلاعب بالألفاظ والأبراز الواضح وإقحام الشخصيات السياسية بصلب الجرم وتبعاته وعواقبه, فما ارادته بعض وسائل الإعلام وعدد من الإعلاميين هو إبراز مقصود وعملية إسقاط للنيل من شخصية رئيس الحكومة, وربط الجرم به وخاصة بعد قرار الامن العام بتوقف نشر الاسماء.
وهذا في علم الإعلام يسمى تحايل وإيحاء, وتلفيق, وتضليل للرأي العام لأنه غير مستند إلى حقائق ولا بينات تؤكد صحة الإنطباع الذي حاولت هذه الوسائل الإشارة اليه.
وهذا يذكرنا بالحملة الدعائية التي أنتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية في تبرير هجمتها على العراق. من هنا تبين وبالملاحظة الدقيقة أن تخصيص برامج تلفزيونية بعينها, وتواتر الاخبار عبر وسائل التواصل الإجتماعي, وخلق حالة نهم وحاجة لدى الجمهور في متابعة ما سيجري إنما هو استجرار الفكر العام الأردني ومحاولة اقناعه بوضع اساسه خطأ خاصة مستغلين حالة الغضب العام الشعبي على الحكومة وإجراءاتها في رفع الاسعار, لتعزز هذه الحالة بمواقف وأطر خادعة لا يقبلها أحد ولا يوافق عليها أحد كقضية الطبطبة على سرقة مكشوفة أو جرم تعودت مديرية الأمن العام على نشر اسماء مرتكبيها.
نعم ان حقوق الإنسان تحد من عملية التشهير بالعائلة كونهم غير مذنبين, وغير مسؤولين عن جرم أرتكبه أحد افراد العائلة ونحن في الاردن نعيش حياة فيها العشائرية مسؤولية وقيم وأخلاق, قائم على العرف الذي تتبرأ فيه العشيرة الأردنية من كل من يسيء إلى الأخلاق العامة أو الأمانة العامة أو يرتكب جرم يخالف عليه القانون.
ولهذا فإن، لكل شخص منا أخوة وأخوات, اب وأم وأنساب وأصهار وجيران وعلاقات متشابكة, فمن غير المنطق التشهير باسماء العائلات ما دام المذنب سينال جزاءه العادل حسب القانون. ولهذا فإن قرار مدير الأمن العام بعدم نشر الاسماء أنما خطوة ايجابية, كونها معنية بمن حول المجرم وليس المجرم نفسه الذي يعرف عقابه ونتائج فعله.
الفعل الإعلامي لعدد من وسائل الإعلام حول قضية الشاب الملقي لا يمكن تبريرها أو إدراجها ضمن منطوق العمل الإعلامي بمقدار ما هو محاولات تشويه للشخصية, وإساءة للفرد لأن العمل الإعلامي يتطلب التوجه لمديرية الأمن العام وإمطارهم بالأسئلة المطلوبة والوصول إلى قناعة, قناعة ترضي الحقيقة والمعلومة الصادقة, فهذا هو دور الإعلام, البحث عن الحقيقة وليس افتعالها والقفز فوقها.
نحن لسنا بصدد الحديث عن الرئيس, نحن نتحدث عن حالة إعلامية مشوهة لا بد وأن تستقيم ولا بد للإعلامي أن يكون سيفه المعرفة والدقة والموضوعية, وليس الأشاعة والتضليل, والإيحائية. ما نريده لإعلامنا الأرتقاء والتطور, والوصول لمستوى التحديات الوطنية. لا الهبوط وخلق حالة الضياع وفقدان الأمل. فرسالة الإعلام هي رسالة الوطن التي هي أكبر من كل الأشخاص.