أُنظر إليَّ كما أنا لا كما تريد يا صاح! ...إخلع نظارتك السوداء فأنا لستُ مسؤولاً عن الأفكار التي تسكن فيك، ولا عن المشاعر التي تتقاذفك، ولا عن لوحاتك التي رسمتها عني أيام جاهليتك الاولى، أنا مسؤول عما أكتب ولستُ مسؤولاً عن الترجمة التي تحدث لكتاباتي داخل مخَّك، كان عليك ان تتكلم عن طريق الصمت لأنه أليقُ بكَ ولأن مستوى صوتك أعلى من مستوى حديثك!، ... كان عليك أن تكون أكثر عمقاً لتفهمني، يا صاح! فهناك فرق بين ما تريد أن تفهم وما أكتب، وهناك فرق بين قراءة مبنية على ظنون وقراءة لنص تجهل كاتبه من يكون...
اقرأني كشيء منفصل عن مخيلتك يا صاح! فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور! اقرأني كشخص لم تصادفه في حياتك، كلغة تتعلمها لأول مرة، أترك خيالك عند الباب، وانزع عباءة عواطفك الرثّة، واترك ذاتيتك جانبا واقرأني كما أنا، بكل موضوعية، لا تلوث كلماتي بحبر ماضيك يا صاح! ولا تضع الفواصل عندما تريد الاستمرار بالكذب، ولا تضع نقطة عندما تكتفي بما تريد.
ألم تعلم يا صاح! ان الدّرْك الأسفل من النار محجوز لهؤلاء الذين يتظاهرون بالعفة والطهارة، وهم يدفنون في بواطنهم شتى أنواع الكذب والنفاق، ألم تعلم يا صاح! أن أسوأ مكان في الجحيم أعِدَّ لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات احتدام المعارك الأخلاقية العظيمة!
انت يا صاح، اذا لم تستطع أن تثبت وجودك في أي معركة أخلاقية ولا أن تمنحني شيئا من خبرتك التي كنت اظنها واسعة، فاحرص ألا تكون سببا في ما يحدث لي من شرور.وإذا لم تستطع أن تشعرني بالأمان، فغادر بسلام. إذا لم تكن تتقن زراعة السعادة في القلوب فمن فضلك إبقَ مع المارقين.
يا صاح، إذا لم تستطع أن تضيف لحياة شخص ما شيئا جميلا فاحرص ألا تنقص منها شيئا جميلاً.
خيالي لم يعد يكفي! لكني أشتهي رحيلا أنسى بعده العنوان والمكان والأحداث والوجوه والزمان، اشتهي رحلة الى قرية النسيان وأتساءل، أين هو ذاك الذي لا تغيره الأيام، والخليل الذي يطمئن عليك حين يصحو وحين ينام، والصاحب الذي لا يملّ السؤال عنك وإرسال السلام، والصديق الذي يفهمك دون كلام.
يا صاح، في الحقيقة نحن نعيش وسط أكوام من الاصحاب، لكنهم عابرون ...عابر وراء عابر...يرسم أحدهم المحبة لنا جبلاً، لكنّ زلةً واحدةً منك لتتحول بعدها إلى غبار تذروه الرياح ..تمنحهم قلبا خصبا بالحب فيغرسون فيه الجراح.. لا عليك يا صاح، دعهم يعبرون كما عبر الذين من قبلهم...لا تتمسك بأحد، ولا تنتظر شيئاً من أحد.