المصري : الحكومة بحاجة لاتخاذ قرارات سياسية واقتصادية جريئة
01-04-2018 11:24 AM
عمون - عن الدستور - حاوره محمد داودية، محمد التل، وعمر محارمة..
ضمن برنامج متواصل تطلقه «الدستور» لإجراء سلسلة من الحوارات الصحفية مع القيادات السياسية والاقتصادية والثقافية والنيابية والنقابية والحزبية والعسكرية المتقاعدة، بهدف الوصل والمناولة ما بين الأجيال والقيادات، وفتح أفق الحوار بين أهل الخبرة في حقولها المختلفة ونقل تجاربهم العميقة المشهود لها بالنضج ليتشارك قراؤنا وصانع القرار الآراء والرؤى.
نبدأ هذه السلسلة بدولة طاهر المصري الذي شغل رأس الحكومة، النواب والأعيان، وبقي على الدوام أيقونة النظام السياسي الأردني، وواحد من أبرز وأنجح القيادات التي انتجها النظام فأحسن صناعتها وصياغتها.
لقد ظل طاهر المصري على امتداد سنوات عمله وعطائه التي امتدت نحو 45 عاما وزيرا ونائبا ورئيس مجلس نواب ورئيس حكومة ورئيس مجلس أعيان، موضع احترام وثقة ومحبة من كل أوساط الشعب الأردني ومن كل مكوناته، بفضل تميزه «بالقوة المرنة»، بالمعرفة والحكمة، الحزم والإصرار، وبفضل الجرأة التي تمتع بها في الغرف المغلقة.
وفي كل أحواله التي تميزت بالهدوء والمصداقية والثبات على نهج الديمقراطية والإصلاح، ظل المواطنون ينتظرون باهتمام واحترام رأي طاهر المصري وتحليلاته السياسية، التي انتظم في تقديمها إلى الرأي العام لأنه «لا ينزوي ولا يبتعد، والناس محيطه الحيوي ورصيده».
تعالوا نحاور هذا الحكيم.
الدستور: دولة الرئيس، في ظل هذه التوترات الدولية المتصاعدة ما مصير حروب الإقليم.. متى تتوقف؟ على أية شروط ستتوقف؟
المصري: أهلا بالدستور التي أتابعها وأقرأها بانتظام وانا على صداقة عميقة طويلة مع عدد من كتابها واخص أخي محمد داودية، زميلي العنيد في مجلس النواب 1993-1997.
سؤالكم هذا سؤال استشرافي لقراءة مستقبل واقع الصراع الذي نعيشه هذا الأوان، وهو بالتأكيد صراع دموي لا نستطيع معه تعداد الخسائر التي ندفعها يوميا في إقليمنا المريض بالحرب والتخلف والدمار.
إقليمنا هذا الأوان أصبح ساحة مفتوحة ورخيصة الثمن لصراع القوى المهيمنة والقوى الصاعدة، وعلى هذه الرقعة المهيأة أصلا لهذا الصراع الأممي الدولي أدعوكم للتحديق جيداً في أمراء الحرب وأبطالها، الولايات المتحدة الأمريكية، تركيا، روسيا، ولا ننسى بطبيعة الحال إسرائيل، وبالطبع إيران، التي تخوض صراع نفوذ، تتصدى له بشكل واضح السعودية والإمارات والبحرين ومن شارك معهم من العرب.
هذه الدول تخوض حروبها الخاصة لتحقيق مصالحها ومطامعها في الإقليم على ساحاتنا العربية، إنها عسكرة حقيقية للطموحات يتم تنفيذها بثمن رخيص على الأرض العربية، المقاتلون يتم استيرادهم وتجميعهم بأثمان قليلة، والضحايا من المدنيين العرب لا يمكن احتساب عددهم أبداً، أما الخسائر الأخرى في البنى التحتية فحدث بدون حرج، هذه الحروب التي جرت على أرضنا دمرت البشر والحجر ونحن وقودها.
وبالرغم من أنني لا أستطيع التوسع في الإجابة هنا، إلا أنني على قناعة راسخة بأن هذه الحروب في الإقليم ستستمر، وإذا ما انتهت في منطقة سيتم خلقها في منطقة أخرى، هناك في الجوار إسرائيل هي الوحيدة التي تحصد الجوائز المجانية دون أن تخسر جندياً واحداً، أو حتى تظهر في المشهد الصراعي، لقد حصلت إسرائيل على هدفها المحدد وتعلن اليوم أن حدودها من النهر إلى البحر، فحتى هذا الشعار سرقوه منا.
الدستور: ما هو الحل الذي تقترحه إذن للصراع السعودي الإماراتي البحريني مع إيران؟.
المصري: هذا نوع من أنوع الصراع الإقليمي طويل الأمد، إيران لديها مطامعها في الخليج العربي، وهي بالمناسبة ليست مطامع عسكرية مباشرة، إنها هنا تتمتع بخاصية تحريك الولاءات الطائفية في دول الخليج لصالحها، ما سيبقي على عامل التأثير الإيراني داخل منظومة دول الخليج قائماً وضاغطاً، وهذا ما رأيناه بوضوح في البحرين والسعودية.
ربما حالة الاحتلال العسكري والهيمنة المباشرة لإيران تتمثل باستمرار باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وادعوكم هنا لمقابلة الصورة في الشمال العربي، فاليوم تركيا تحتل عفرين السورية، ومعركة ادلب على الطريق وكذلك إيران التي تحتل إقليم الأحواز العربي، وتبسط هيمنتها المباشرة على العراق.
لا اعتقد أن الطرفين إيران والخليج يفكران بالدخول في مواجهة ععسكرية، ولذلك ثمة فسحة أوسع أمام الطرفين للمزيد من الحوار والتقارب.
الدستور: ما هي الارتدادات التي تتوقعها من استمرار هذا الصراع ؟
المصري: أقسى ما أخشاه تحول الصراع الصامت بين دول الخليج وإيران إلى صراع طائفي بحت، وقد رأينا بواكير هذا التحول، للأسف، ولا أظنه في صالح الطرفين، ثمة أوراق يمكن طرحها واللعب بها على طاولة الحوار والتفاوض، وهي برأيي الطريقة الأفضل والأسلم هنا لصالح الجميع، لأن الغرق في مستنقع هذا الصراع سيطول أمده، واعتقد أن الخاسر الأكبر سيكون الأشقاء في الخليج، فليس لدى إيران وطموحاتها بالهيمنة ما تخسره، ولديها أدواتها لتلعب بها، ولننظر إلى اليمن وما تفعله إيران في استنزاف السعودية في جنوبها.
يتوجب على دول الخليج إحداث شرخ سياسي وطائفي على الأقل بين الامتدادات الطائفية الشيعية لإيران في دول الخليج، وهذا يستدعي من تلك الدول المزيد من إشاعة الحريات ومنح الحقوق على قاعدة المواطنة كما قلت سابقا.
ولا بد من الإشارة هنا إلى تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة التي قدمت ومن خلال تجربة الشيخ زايد نموذجاً فريداً يحتذى في عالمنا العربي وهي التجربة الفدرالية الإماراتية، التي نجحت تماما ونقلت دولة الإمارات إلى ما وصلت إليه الآن، ويمكن لدول الخليج التفكير جديا في نظام فدرالي على غرار النظام الإماراتي والذي سيعزز من قوة مجلس التعاون الخليجي ونقله من كونه مجلس تنسيق تجاوز عمره الخمسة والثلاثين عاما إلى ما هو أفضل من ذلك بكثير، وفي هذه الحالة ستندفع إيران من تلقاء نفسها لإعادة حساب علاقاتها ومصالحها مع جيرانها في الخليج.
«صفقة القرن» تصفية شاملة للقضية الفلسطينية وتعزيز لقوة وهيمنة إسرائيل
الدستور: دولة الرئيس، ما هي ملامح «صفقة العصر» التي تحصلت لديكم حتى الآن؟
المصري: لا جديد يمكنني إضافته هنا إلى ما يسمى بـ»صفقة القرن»، ثمة تفاصيل تقال هنا وهناك، لكن النتيجة هي تصفية شاملة للقضية الفلسطينية، وتعزيز قوة وهيمنة وسيطرة إسرائيل على التراب الفلسطيني وعلى المنطقة والإقليم.
هذه الصفقة تستند إلى مبدأ إعادة التقسيم الجغرافي والديموغرافي للمنطقة والإقليم، وتمنح إسرائيل المزيد من التمدد والنفوذ، هنا تتحول القضية الفلسطينية لمجرد قضية أراض يمكن تعويضها، وتنسى تلك الصفقة أن القضية الفلسطينية أبعد من ذلك بكثير، إنها قضية وطن وشعب بكل ما تحمله هذه الدلالات من معان مقدسة.
صفقة العصر هي تحقيق للبرنامج الصهيوني الذي حدده المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل (سويسرا) وحدد برنامجاً واضحاً يقوم على أساس إنشاء الدولة اليهودية على كل أرض فلسطين والقدس عاصمتها وقد تحقق لها ذلك، أما الهدف الثالث، فهو إقرار يهودية الدولة من خلال بناء الهيكل، وهم اليوم يسرحون ويمرحون في المسجد الأقصى. وللأسف فلم يفشل الصهاينة في تحقيق ما خططوا له، وهم لن يقبلوا بأي حل خارج الإطار الذي ذكرت، طبعاً هذا الأمر يسبب خطراً إستراتيجياً يهدد الأردن والأمن الوطني الأردني، وفي تقديري فإن إسرائيل تستغل سوء الأوضاع المعيشية والمالية في الأردن لوضعنا في الزاوية حتى نسير في ركابها.
صفقة القرن ليست قدراً ولا يمكن لها أن تتم بالصورة التي تطرحها إدارة ترمب
الدستور: هل هي الصفقة –القدر؟
المصري: لا أبداً، أعتقد أن هذه الصفقة لا يمكن لها أن تتم بتلك الصورة التي تطرحها إدارة ترمب حاليا أو التي تفكر فيها على الأقل، ثمة رفض فلسطيني لها، وكلك رفض أردني، وفي الوقت الذي أشيعت فيه معلومات متعددة ومتضاربة عن قبول لها وخاصة من دول الإقليم، إلا أنني أرى أن أحدا لا يجرؤ على الإعلان مباشرة عن قبول تلك الصفقة ببنودها التي تم تسريبها وأصبحت شائعة بين الناس.
إدارة ترمب قررت تأجيل الإعلان عنها بحجة المزيد من الدراسة والتشاور، وربما في حال نجح المعسكر العربي بإقناع إدارة ترمب بإجراء تغييرات على تلك الصفقة شريطة أن تعتمد مبدأ حل الدولتين فلربما نرى ونسمع بعض الأصوات التي ستعلن موافقتها عليها.
الأردن مثلا وهو الطرف الثاني الأكثر تأثراً وتأثيراً في القضية الفلسطينية بعد الفلسطينيين لا يزال يتمسك بحل الدولتين.
ابتعاد حماس بقطاع غزة عن السلطة الوطنية ساهم كثيراً في تعقيد القضية الفلسطينية
الدستور: يعيش الشعب الفلسطيني ظروف حصار وتضييق وانقسام وانسداد آفاق، فما هي الآمال المرتجاة لشيء من الضوء في الأفق الفلسطيني؟ وماذا ينتظرهم من حلول؟.
المصري: المشهد الفلسطيني هذا الأوان، كما ترون، في أشد حالات التعقيد، والقضية الفلسطينية تمر أيضا في أصعب أدوارها وأعقدها على الإطلاق، فالداخل الفلسطيني محطم تماما، ومجزأ ومهمش، والضوء في نهاية النفق يبتعد عنهم تدريجياً وتحولت حياة فلسطيني غزة إلى جحيم حقيقي.
على السلطة الوطنية أن تحدد موقفاً جريئا وواضحاً حول ما ستؤول إليها المواقف الجديدة في الولايات المتحدة وإسرائيل، حالياُ أمريكا تقرر ويظهر العالم عدم موافقته على هذا القرار وينتهي الأمر عند هذا الحد، لذلك تنتظر إسرائيل بعض الوقت لتنتهي الضجة وتكمل تنفيذ قرارها، وخلق الأمر الواقع هو مبدأ اتبعته إسرائيل منذ إنشائها ونجح نجاحاً كبيراً، ونحن نرى ذلك من خلال ما تبدو عليه إسرائيل اليوم.
بمعنى أن العالم أدار ظهره للقضية الفلسطينية، وظلت أمريكا هي صاحبة القول الفصل في كل ما يحيط بالقضية، والجميع يعرف إلى أي مدى وصل فيه انحياز الإدارة الأمريكية الحالية لإسرائيل وليس ببعيد قرار الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل.
هذه المعطيات كفيلة بوضع تصور لما آلت إليه القضية الفلسطينية من مآلات في غاية التردي والتراجع، والذي زاد الطين بلة أن العالم العربي أيضا يبدو وكأنه هو الآخر يرفع يديه عن الفلسطينيين وقضيتهم، وتلك أزمة أخرى من المؤكد أنها ستزيد المشهد الفلسطيني سوءا على سوئه.
ابتعاد حماس بقطاع غزة عن السلطة الوطنية في الضفة الغربية ساهم كثيراً في تعقيد القضية الفلسطينية، ولم يعد لدى السلطة الفلسطينية في رام الله ما تقدمه للمفاوضات بعد أن قدمت كل شيء، ولم يعد أمامها ما يمكن أن تتنازل عنه، والرضا الشعبي الفلسطيني عن أوسلو وعن السلطة وعن حماس تحول إلى غضب وعدم رضا.
والحلول المنتظرة أو المتوقعة هي حلول كارثية بمجملها ربما في مقدمتها ما يسمى بـ»صفقة القرن»، ما يعني أن الفلسطيني أصبح ظهره للجدار ولا مخارج آمنة لديه إلا بالمواجهة المباشرة فإما الإنفلات من هذا الوضع وإما الموت، وهنا مكمن المشكلة وخطورتها.
على السلطة الفلسطينية وضع أولوياتها وخياراتها أمام الفلسطينيين والعالم أجمع قبل انهيار مشروعها
الدستور: أليس على القيادات الفلسطينية أن تتنبه إلى أن الوحدة الوطنية هي سلاحها الآن؟
المصري: نعم. ان استمرار التفريط بالوحدة الوطنية كارثة، وعلى السلطة الفلسطينية في رام الله تحديدا وضع أولوياتها وخياراتها أمام الفلسطينيين والعالم أجمع، أما الاستمرار بهذا النهج فهو يقود السلطة ومشروعها إلى الانهيار والزوال، وعليها أن تكون أكثر وضوحا فإما أن تقول للفلسطينيين أنني أقبل بما يفرضه علي القوي المحتل وأمريكا، وهذه خياراتي، وإما أن تقول للشعب الفلسطيني بأنني فشلت ولا أستطيع الاستمرار، وتترك للشعب تقرير توجهاته، وهو شعب قادر تماما على تحديد بوصلته بالمقاومة، وقد خبرت إسرائيل والعالم اجمع مدى استعداد الفلسطيني للتضحية والمواجهة.
وعلى حركة حماس التي تستقل بغزة وتقيم دولتها هناك عليها هي الأخرى أن تعود للحضن الفلسطيني وتوضح خياراتها مباشرة بعيدا عن نموذج صلح الحديبية، فالفترة المقبلة ستكون من أصعب الفترات التي سيواجهها الفلسطينيون على مدار تاريخهم، وإذا لم يتوحد الشعب الفلسطيني في مواجهة ما ينتظره فإنه سيكون الخاسر الأكبر.
على السلطة وحماس أن تتنحيا فلم يعد التفاوض واردا
الدستور: لا بد أن لدى القيادة الخطة ب؟
المصري: لست أدري فيما إذا درست السلطة الوطنية حلولاً بديلة، فهل هناك دراسة حول فوائد وخسائر حل السلطة أو استقالة الرئيس محمود عباس، ولماذا لا تطلب السلطة الوطنية من مجلس الأمن أو الجمعية العامة التصويت على قرار يطلب من الدول الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
على السلطة وحماس أن تتنحيا فلم يعد التفاوض واردا.
وبالنتيجة ليس أمام الفلسطيني الآن وغدا غير طريقين: إما الاستسلام لكامل شروط الاحتلال التي تحظى بدعم أمريكي غير محدود، وإما المواجهة المفتوحة مع إسرائيل، وهنا يتوجب على القيادات الفلسطينية الحالية الانصراف من الواجهة تماما، من رام الله وغزة، لتترك للشعب الفلسطيني خلق قيادته الميدانية الجديدة.
هذا الخيار بالتأكيد في غاية الصعوبة والخطورة وستكون الخسائر باهظة، فالفلسطينيون لن يقبلوا الاستسلام وستنتصر إرادتهم وتضحياتهم ومقاومتهم.
الدستور: تمر القضية الفلسطينية حاليا في أخطر مراحلها ويبدو أن الفلسطينيين وحدهم في مواجهة نتنياهو وترمب، ما هو السبيل أمام الفلسطينيين لمواجهة هذه الحالة؟ وما هو المطلوب عربيا لمساعدة الشعب الفلسطيني؟.
المصري: تمعن إدارة ترمب بالاستهانة بالفلسطينيين وبقضيتهم، ويمارس ترمب الضغط المباشر على الفلسطينيين للقبول بما يسميه صفقة القرن، وليس أمام الفلسطينيين غير التسمك بموقفهم الرافض لتلك الصفقة حتى وإن أبدت بعض الدول العربية دعمها لتلك الصفقة.
لا يملك الفلسطينيون ترف المفاضلة بين صفقة وأخرى، فالفلسطينيون يعيشون هذا الأوان بين المطرقة والسندان، ولم يعد لديهم الكثير ليخسروه في مواجهة الضغط الذي يتعرضون له امريكياً وحتى عربياً.
وكما قلت سابقا فإن أمام الفلسطيني نارين لا ثالث لهما، فإما الإستمرار في مقاومة هذه الضغوط والتمسك بالموقف الوطني الفلسطيني، وإما التوجه لخيار المقاومة وتوحيد الشعب الفلسطيني وانهاء الإنقسام السيء الذي أضر بالقضية الفلسطينية.
وإذا اختار الشعب الفلسطيني المقاومة كبديل وحيد فان على القيادات الفلسطينية الحالية بكامل ألوانها مغادرة المشهد الفلسطيني لأنها قيادة سلام ومفاوضات، وان تترك للشعب الفلسطيني اختيار قيادة جديدة تقاتل وتحقق ما تريد تحقيقه على الارض وبعد ذلك تذهب للتفاوض.
اما الموقف العربي فلا أظنه هو ذاته الذي كان عليه في الانتفاضة الاولى او الثانية. لقد تغير الموقف العربي كثيرا، ولم يعد مهتما تماما بالقضية الفلسطينية، لكن ومع ذلك فإن على العرب الأغنياء تقديم الدعم المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية، خاصة بعد ان وقع ترمب في السادس والعشرين من شهر اذار قانون منع المساعدات الأمريكية عن السلطة الفلسطينية إمعانا منه ومن إدارته في فرض شروطه على الفلسطينيين.
الاقتصاد الأردني في انكماش واستمرار الوضع على ما هو عليه ينذر بكوارث حقيقية
الدستور: محليا.. كيف الطريق لحلحلة الأزمة الموروثة الاقتصادية والمالية الأردنية الراهنة؟.
المصري: هي أزمة مركبة ومتفاقمة وموروثة منذ أكثر من 30 عاما مضت، لكنها اتسعت وتضخمت خلال السنوات العشر الماضيات بشكل جنوني وغير مسبوق.
ما أقدمت الحكومة عليه من رفع الضرائب لتحسين إيرادات الخزينة كان قراراً غير موفق أصاب عجلة الاقتصاد الأردني في مقتل وخلال الشهرين الماضيين فقط تراجعت ايرادات خزينة الدولة، واصيب الإقتصاد الأردني بما يشبه حالة الانكماش، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن الأشهر المقبلة ستحمل كوارث حقيقية نحن في غنى عنها.
على الحكومة أن تجد بدائل، أحدها أن إغلاق العجز في الموازنة يجب أن يتركز على تخفيض النفقات وليس زيادة الإيرادات، الحل الأول يعني ترشيد الإنفاق الحكومي (وهنا مجالات واسعة لذلك)، بينما زيادة الإيرادات يعني جيوب المواطنين وأظن أن صندوق النقد الدولي لا يمانع مثل هذا الإجراء.
هذا في المدى القصير المنظور، أما على المدى الطويل فأن الحكومة بصدد تنفيذ مشاريع إستراتيجية كبرى تتعلق بالطاقة، ووضع خطط قابلة للتطبيق لتحويل الأردن الى اقتصاد تكون القيمة المضافة فيه عالية، وهذا يتوفر في (صناعة) الخدمات والأردن مؤهل لتحقيق نتائج ايجابية حتى يتحول إلى دولة مركزية في المنطقة من حيث الخدمات.
إن الحكومة بحاجة إلى اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية جريئة .
الأحزاب تقوم بوظيفة تجميلية في نظامنا الديمقراطي
الدستور: رغم ضغط النخبة عليك والطلب منك أن تشكل حزبا أو قوائم انتخابية إلا أنك لم تفعل؟.
المصري: نعم هذا صحيح للأسف، وقد خبرت العمل مع الأحزاب من منطق الشراكة، ورأيت كيف ان الأحزاب تقوم بوظيفة تجميلية في نظامنا الديمقراطي، إنها أشبه بقطع الإكسسوار التي يضيفها مخرجو الأفلام للكادر التصويري، وهذا ما فعلناه بالأحزاب منذ عودة الحياة الحزبية مطالع تسعينيات القرن الماضي.
المشهد الحزبي في بلدنا مشهد فقير معدم لا أثر له او تأثير، وحتى اليوم لا أعرف كم عدد الأحزاب في البلد ربما وصل عددها الى 48 حزبا لكنني مثل غيري اسمع بالأسماء وأعد الأرقام ولكنني لا أرى أثراً.
اما من يتحمل المسؤولية عن ذلك فالأحزاب تتحمل جانبا والحكومات تتحمل الجانب الأكبر، فالحكومات حاصرت الأحزاب، ووضعتها في قوالب نمطية جامدة، وقالت لها تفضلي بالعمل، في بيئة غير مؤهلة للعمل الحزبي أصلا، فالشعب نفسه لا يملك ولم يجرب العمل الحزبي أو العمل الجماعي، والأحزاب لم تبذل أي جهد لإقناع الشعب بتغيير تصوره النمطي التقليدي عن العمل الحزبي.
وعلينا هنا الإعتراف بأننا كشعب لا نملك ثقافة أو تجربة ديمقراطية حقيقة، ولم تتم تنمية أجيالنا على السلوك الديمقراطي، والعمل الجماعي المنظم، وعلى التفكير الديمقراطي الحر المنظم، وظللنا على ما نحن عليه منذ التأسيس نفكر بعقلية التابع، ونتصرف بعقلية الأبوية او بالعقلية البطريركية ولا زال جيلنا يعتبر أن سلطة الأب مطلقة في عائلته، والشيخ في القبيلة هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، والمختار في القرية هو من ينوب عن الجميع، والمسؤول هو من يتحكم في مصائر موظفيه... وهكذا.
لم نذهب للتفكير مبكراً في تنشئة الأجيال على أدب الخلاف والاختلاف، وبالنتيجة هذا ما وصلنا اليه الآن، مجتمع أردني يعيش في القرن الحادي والعشرين وبأدوات هذا القرن التقنية والتكنولوجية والانفتاح اللامحدود، وعصر الاتصالات والانترنت والسوشيال ميديا.. الخ، ولكننا لا زلنا أسرى في تفكيرنا وسلوكنا الى معطيات مطالع القرن العشرين الماضي.
هنا الفجوة تبدو رهيبة، وخطرة، والمشكلة ان الدولة والحكومات رضيت بهذا الوضع الذي نتحمل جزءاً من مسؤوليته. تركنا مواطننا الأردني يعيش كالسن في العجلة، نذهب به إلى حيث تريد وتتحكم به وبخياراته وبنمط تفكيره وسلوكه.
هذه الصورة لا يمكن عزلها بالمطلق عن التجربة الحزبية الأردنية التي أعتقد انها اقرب الى الفشل منها الى النجاح، والمشكلة أن الحكومات تدرك حجم هذا الفشل، وتدرك أن الديكور الحزبي لا يمكنه الاستمرار طويلا، وهذا ما دفعني لعدم التفكير أو الاستجابة، لمن مارس الضغط لتأسيس حزب، فأنا لم أجد أن الأرضية السياسية والأمنية والقانونية والاجتماعية متوفرة تماماً.
هناك فرق بين بناء الدولة وبناء السلطة
الدستور: عندما ننظر إلى تجربتك الطويلة فإننا نجد أمامنا شخصية تميزت بالاستقامة والديمقراطية والإصلاح والمزج الصعب بين إكراهات السياسة وشروط ممارستها وضغوطها، وبين الاستقرار على المبادئ والأخلاق،...، كم كان صعبا ذلك؟ وما هو ثمنه؟.
المصري: بالتأكيد كان صعباً جداً، وكان الثمن باهظا، ثمة من يعتقد أن السياسة بلا أخلاق، وهي كذلك إذا كان حجم الكذب فيها اكبر بكثير من حجم الصدق والشفافية، وإذا كان السياسي منخرطا في أعمال مخالفة أو لا أخلاقية أكثر من انخراطه في أعمال نبيلة، هنا تصبح السياسة بلا أخلاق بالتأكيد.
لقد قضيت في العمل العام والسياسي 45 سنة متواصلة لم أغب فيها عن المشهد العام سواء في موقع المسؤولية أو في موقع المراقب والمشارك عن بعد، وقد خبرت العمل السياسي وتقلباته حتى كللت وأُكللت، ولكن لا يمكنني بالمطلق الانزواء في منزلي والابتعاد عن الناس فهم رصيدي، ومحيطي الحيوي، فأنا في الأول والتالي أعيش على محبة الناس وعلى الاحترام المتبادل بيننا.
إن العمل السياسي مهنة صعبة لأنك ستبقى في مغامرة مستمرة لا تعرف متى تنتهي، ومتى تتغير بوصلتها، هل تتصورون معي كيف يمكن للسياسي البقاء يقظا على مدى أربع وعشرين ساعة في اليوم، يحسب لكل دقيقة حسابها.
لقد كنت ولم أزل وسأبقى من مناصري الإصلاح الجذري، ومن المؤمنين بالديمقراطية، وبالدولة المدنية وبدولة القانون والمؤسسات، وبأهمية وقدسية الدولة وهيبتها وسلطتها باسم القانون وباسم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وحفظ حقوق المواطنين وأمنهم وسلامهم واحترام الدولة بكامل كيانها ومؤسساتها، وناديت مراراً بأهمية وضرورة أن نبني الدولة بالمعنى والمفهوم الحقيقي، وهناك فرق بين بناء الدولة وبناء السلطة.
وأعتقد جازماً أن من حقي كمواطن، عمِل في خدمة الوطن فترة طوية ولي اجتهادات وآراء واضحة، أعتقد بأن من حقي أن أبدي رأيي بمسؤولية وأدافع عما أؤمن به ولا أتنازل عن هذا الحق والواجب. فالدولة بناها أو أسهم في بنائها كل أبنائها، كل على قدره، وهي ليست حكراً على أحد.
الحكومات لم تبادر لالتقاط ولو فكرة ملكية واحدة من الأفكار التي تضمنتها الاوراق النقاشية
الدستور: ألم تملَّ من المناداة بالإصلاح والاجتماعات والكتابات والمؤتمرات ...؟
المصري: لا ابدا، فانا لم ازل أنادي بالإصلاح الذي انطلق قطاره قبل سنوات مضت لكن عرباته لم تصل للمحطة الرئيسية، نحن نعاني من التلكؤ والتراخي في إنجاز الإصلاح المأمول والمنشود، وأسأل هنا على سبيل المثال عن مصير الأوراق النقاشية لجلالة الملك أين وصلت؟ هل من احد علق الجرس؟ هل من أحد من الحكومات بادرت لالتقاط ولو فكرة ملكية واحدة من الأفكار التي تضمنتها تلك الأوراق وقالت إنها ستكون برنامج عملي وسأعمل على تنفيذه؟ لا أظن إن هذا حصل أبدا.
إذا استمر وضع الإدارة الأردنية على ما هو عليه فإن الأزمة ستتفاقم وتتحول إلى أزمة عميقة
الدستور: في مقالك الأخير الذي حمل عنوان «جنبوا الناس هذه المحنة.. بعقل راشد وقلب رحيم»، قدمت رؤية سياسية بامتياز للواقع الراهن، إلى أي مدى يمكن تجنيب الناس ما وصفته بالمحنة والحلول المتاحة ؟.
المصري: ليست المرة الأولى التي أحذر فيها من دفع الناس إلى المحنة، لقد كتبت وقلت ذلك مرارا وتكرارا، اظن ان من واجبي القيام بهذا التحذير، وهو كل ما أملك عمله، وقد ختمت مقالتي التي تشيرون اليها بتأكيدي على أن أوّل الإصلاح هو المصارحة والصدق والمكاشفة.
والمشكلة الأولى من وجهة نظري سببها المسؤولون في الدولة لعدم تقديرهم لحجم المشكلة التي بتنا نعاني منها، فبعضهم يراها مشكلة عادية ومقبولة ضمن معطيات الواقع الحالي، والبعض يذهب للتخفيف من آثارها واستحقاقاتها وصولا إلى تسطيحها وإظهارها وكأنها مجرد مشكلة أقل من عادية، وهؤلاء إما أنهم يعيشون في أبراج عاجية، أو أنهم مستفيدون من الوضع الحالي.
إذا ما استمر وضع الإدارة الأردنية على ما هو عليه فإن الأزمة ستتفاقم أكثر فأكثر لتتحول إلى أزمة عميقة متجذرة، مما يستدعي من الجميع القيام بإجراء شامل لحل الأزمة بكامل مكوناتها، وليس التعامل معها على مبدأ القطعة، شريطة أن يكون هذا الإجراء استراتيجيا ليطال كل مظاهر ومكونات الدولة.
لا يمكنني أن أصدق أن أحدا من المسؤولين لا يرى هذا التراجع على حقيقته، ناهيك عن المشكلات الأخرى التي نتجت عن هذا التراجع والتردي الذي بتنا نعيشه ونرى مظاهره كانتشار ظاهرة المخدرات، والجريمة، وحالات الانتحار، واتساع جرائم الخروج على القانون وطرد مظاهر الدولة من خلال ظاهرة الزعران وفرض الإتاوات والخاوات، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة، وهي حاضنة طبيعية لإنتاج التطرف والجريمة والخروج على القانون.
هذه المشكلات الظاهرة لكل ذي بصيرة يعرف القاصي والداني آثارها السلبية المدمرة على المجتمع وعلى الأفراد والعائلات، إن تراخي هيبة الدولة وقبضتها وسلطتها يدفع بالآخرين للتمرد على القانون وعدم احترامه، فضلا عن السياسات المتبعة في الإدارة العامة التي تستند لمبادئ مناقضة للعدالة وتكافؤ الفرص، كلها مجتمعة ستؤثر على منسوب الإيمان بالدولة وبالمجتمع وبالولاء للوطن.
وعلينا القيام بمراجعة وتقييم بكل شفافية وموضوعية ما آلت إليه جهودنا فيما ما بنيناه طيلة نصف قرن، وعلينا الاعتراف أيضا بأن هذه المشكلات بدأت تعصف بنا وبمجتمعنا.
نحن نملك الكثير من الدراسات والأبحاث والأفكار والتوصيات للخروج من هذا المأزق، أنجزتها الدولة عبر السنوات القليلة الماضية لكنها ظلت خارج حسابات بعض المسؤولين الذين يخشون مواجهة الواقع حفاظا على مكاسبهم وامتيازاتهم.
وكنت قد أشرت سابقاً إلى أوراق الملك النقاشية السبع، وهي في الحقيقة تصلح تماما لأن تكون برنامجا إصلاحيا حقيقيا جديرا بالتطبيق، لكنها للأسف ظلت بعيدة عن عيون الحكومات وبرامجها، وبالرغم من أن هذه الأفكار والمشاريع الإصلاحية قد صدرت عن رأس الدولة، إلا أن أذرع الدولة لم تنفذ منها إلا القليل، وكأنني بالملك سيكون مدفوعاً دفعاً للقيام بتطبيق ومتابعة أفكاره مباشرة، بعد أن لم تعد الحكومات جديرة بتنفيذ أفكار رأس الدولة.
الزمن الرديء الذي نعيشه لن يبقى ويستمر إلى الأبد
الدستور: الحديث عن تغييرات إقليمية وإعادة ترسيم المنطقة ضمن ما يسمى»صفقة القرن»، ما هو المطلوب لمواجهة هذه الصفقة في ظل تلاشي النظام العربي؟.
المصري: لا أحد ينكر هيمنة أمريكا وقوتها باعتبارها الدولة العظمى المتفردة، وبالتالي فهي تستطيع أن تقرر في العديد من الأمور الدولية، ومنطق الطبيعة يقول أن إسرائيل بغطرستها وتعاليها لن تستطيع الاستمرار بالعيش بهذه الروح العدائية الدائمة في منطقة عربية إسلامية، ولا يغرن أحدا أن هذا الظرف الذي نعيشه، وهذا الزمن الرديء سيبقى ويستمر إلى الأبد، هي فترة ستمر بإذن الله وبسرعة، وإذا بقيت إسرائيل تسير وتعيش في «عقدة المسادا» فإنها ستنهار وستتلاشى، ومهما كانت قوتها فإن تطرف الدولة سواء لجهة اليمين أو لجهة اليسار محكوم بالفشل تماما، هذا هو منطق الطبيعة ومنطق الواقع والصراع والتاريخ، وعندها سنرفع شعارا مناهضا للشعار الذي رفعه الصهاينة وهم يحتلون فلسطين سنة 1948 عندما استحضروا أسطورة قلعة المسادا وقالوا «لن تسقط المسادا ثانية أبدا». (والمسادا قلعة تقع في عمق وادي الأردن).
ليس أمام الأردن غير التسمك بمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية
الدستور : ثمة ضغوط تمارس على الأردن لتمرير الإملاءات الأمريكية الإسرائيلية، إلى أي مدى يمكن للأردن أن يبقى متمسكا بموقفه النزيه والحكيم تجاه القضية الفلسطينية؟.
المصري: ليس أمام الأردن غير التسمك بمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية إلى أن يتم حلها حلا جذرياً يرضي الفلسطينيين والأردنيين معاً.
هذه مسألة جذرية لا تخضع للنقاش او الخلاف، فالمصير المرتبط بين الأردن وفلسطين هو مصير لا يمكن خرقه او نزعه او فصله، ثمة وجود مشترك، لفلسطين والأردن، وبالتالي فإن هذه اللحمة لا يمكن فك عراها لا من أمريكا ولا من إسرائيل أو من أية قوة أخرى مقبلة.
المصير المشترك، والوجود المشترك، هما حالتان فريدتان تربطا الأردن بفلسطين، وبالرغم من قرار فك الارتباط الذي خالفته ووقفت ضده عندما كنت وزيرا في الحكومة التي أقرته، فإنني أرى الآن وفي ضوء التغييرات الكبيرة التي تتم في المنطقة، وبسبب ظهور نوايا إسرائيل بشكل واضح وبسبب تلكؤ وتردد المجتمع الاممي، بالرغم من ذلك، فإنني أرى أن يتم تحرير الأرض أولاً وإعادة الحقوق الوطنية وحقه في إقامة دولته المستقلة على التراب الفلسطيني وأن تكون عاصمتها القدس.
فوبيا الديموغرافيا والجغرافيا أعاقت وجود بيئة ملائمة لإصدار قانون انتخاب يلبي الطموحات
الدستور: يتم الحديث عن قانون انتخاب جديد، ورأيك بقانون الانتخاب المطلوب معروف، لكن نريد أن نسأل متى يمكن ان نشهد ولادة قانون انتخاب يلبي الطموح؟ ويسهم بشكل حقيقي في دفع مسيرة الديمقراطية الأردنية إلى الأمام؟.
المصري: عندما نتخلص تماما من فوبيا الديموغرافيا والجغرافيا ستكون البيئة الاجتماعية والسياسية ملائمة تماما لإصدار قانون انتخاب يلبي الطموحات، وعندما نبرأ من مرض الإمتيازات والمكاسب المزمن عندها نصبح أكثر تاهيلا لوضع وتقبل قانون انتخاب جديد لا يميز بين منطقة انتخابية واخرى، ومنطقة جغرافية وأخرى.
وعندما تترسخ السلوكيات الديمقراطية للمواطنين عبر الإستثمار في الأجيال المقبلة، وعندما تصبح الأحزاب لها تأثيرها وأثرها الحقيقي في الشارع سيكون لدينا قانون انتخاب يلبي الطموحات.
لقد اصبح قانون الإنتخاب مدار تندر وسببا جوهريا لفقدان ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية بكاملها، ففي كل انتخابات نصدر قانوناً جديداً يقوم على التجربة والتجريب، والحكومات التي تضع هذه القوانين تدرك تماماً ان المشكلة ليست في القانون بقدر ما هي في نمطية السلوك الانتخابي للمواطن نفسه، إن قناعة الناخبين بوجود تلاعب في الانتخابات وصناديق الاقتراع أصبح ثابتاً وعميقا. ولم تدرك الحكومة بعد مدى الخراب والثقة التي تتأثر بها القناعات، والذي يتم تفصيل القانون على أساس تعزيز تلك النمطية السلبية للناخب في اختيار من يمثله في السلطة التشريعية.
كل التجارب السابقة مع قوانين الانتخاب أنتجت المزيد من التراجع في أداء البرلمان، والمشكلة الأخطر ان كل برلمان يتم انتخابه يعتقد انه الأفضل والأكثر تميزا من بين البرلمانات التي سبقته، ولكن معطيات الحقائق على الأرض تقول غير ذلك تماما، وتكشف لنا إلى أي مدى وصلت حالة التراجع.
عجز واضح وخطير في مفهوم اللامركزية وتطبيقاتها والحكومة لم تترك للجان المركزية ما تفعله أو تقدمه
الدستور: هل تعتقد أن اللامركزية بشكلها الراهن ومخرجات انتخاباتها ستكون محطة مهمة في تعزيز الحالة الإصلاحية الوطنية؟.
المصري: أريد من اللامركزية تعزيز المسيرة الديمقراطية، والإصلاح السياسي والإداري، والتوسع في مفهوم الشراكة في الحكم المحلي، لكن للأسف، فان نتائج هذه التجربة جاءت مخيبة للآمال والطموحات تماما.
هناك عجز واضح وخطير في مفهوم اللامركزية وتطبيقاتها، ويمكننا القيام بجولة على أي لجنة لنعرف أبسط المشكلات التي تعانيها، فالحكومة لم تترك للجان المركزية ما تفعله أو تقدمه، أن اعضاء لجان اللامركزية المنتخبين مجرد أرقام وأسماء لا يملكون اية سلطة تخولهم القيام بمهامهم على الأقل تلك المهام التي وردت في القانون، إنهم وللأسف أعضاء منتخبون بدون اية سلطة او تأثير.
ما اتمناه ان يتم تقييم هذه التجربة وتلافي مسببات الفشل والدفع بالتجربة والفكرة إلى الأمام بمنح صلاحيات واضحة ومباشرة لأعضاء اللامركزية، وعندها يمكننا الحديث باطمئنان عن تجربة يمكنها رفد الإصلاح.