عشرات الآلاف الذين احتشدوا في غزة، يوم الارض، لا يمثلون انفسهم وحسب، بل ان المشهد يعبر عن روح موجودة عند كل الفلسطينيين، حتى لو بدت للحظة ما، خافتة، او متوارية.
لا يمكن لاسرائيل ان ترتاح هنا، إذ إن معالجة مشهد عشرات الالاف بقتل بعضهم، وجرح المئات، عظم من الفكرة ذاتها، وجعلها القصة الحاضرة، فهذا هو الشعب الفلسطيني في غزة، مثله مثل غيره في مناطق اخرى، داخل فلسطين، يقول للعالم ان مسيرة سلمية، تتم مقابلتها بمئات القناصين، وتحويلها الى مسيرة دموية، في تأكيد على نهج الاحتلال، وطبيعته.
المفارقة هنا، تتعلق بالاسرائيليين ذاتهم، اذ الى متى سيعيش هؤلاء بهذه الطريقة، يحتلون ارض غيرهم، ويقتلون كل يوم، في مجتمع حافل بالازمات، والمشاكل، ولم ينجح حتى اليوم، في محو اثر احتلاله لفلسطين، ولا محو اثر اللاجئين والنازحين والذين اضر بهم الاحتلال طوال عقود.
هذه محنة الاحتلال التي يدركها جيدا، محنة وجود شعب آخر تعود فلسطين اليه، وهو شعب ليس منفصلا نهاية المطاف عن اكثر من مليار ونصف المليار عربي ومسلم، وكل هؤلاء على ضعفهم، وحالة الهوان في العالمين العربي والاسلامي، الا انهم جوار طبيعي لفلسطين، لا يمكن ان يقبل الى ما لانهاية اي استحداث لهوية جديدة في المنطقة، بما في ذلك هوية الاحتلال الاسرائيلي.
ثم ان مسيرة غزة قالت الكثير، على الرغم من أن هناك من هو متخصص في احباط الهمم، فتسمع اراء تقول لماذا تم قتل هؤلاء، ولماذا تم ارسالهم الى حتفهم ليموتوا او يجرحوا، وهذا التيار المتباكي على الفلسطينيين، هو ذاته الذي لا يسمح بأي حل آخر، فلا يريد مسيرة سلمية، ولا يريد انتفاضة، ولا يريد سلما وسلاما.
لكن غزة، في المحصلة، في يوم الارض، طرقت وجدان العالم، عنفته بكل لطف، اعادت تذكيره بأصل المشكلة، وان هؤلاء لا ينسون ارضهم، وفي غزة مئات الالاف من يافا وعكا وحيفا واللد ومناطق اخرى، مثلما ان اللجوء داخل فلسطين المقسمة اليوم، مر وصعب ومؤلم، اضعاف اي لجوء آخر، خصوصا، حين تكون محشورا في غزة، وحيفا مثلا على مرمى حجر من احلامك.
كلما ظن كثيرون ان فلسطين غابت، عادت وبقوة، وفي يوم الجمعة الفائت، كانت الرسالة مجددا لاسرائيل، وتقول انها قد تكون قوية ومتجبرة، لكن هناك شعب كامل، يحاصرها في داخلها، ومن حولها وحواليها، ولا يمكن لاي قوة ان تشطب هؤلاء، وان تلغي فلسطين من ذاكرتهم.
الدستور