نحن ما بين النفاق والإخفاق ..
رولا نصراوين
31-03-2018 02:24 PM
عندما كتب يوسف السباعي في روايته أرض النفاق : ليس الذنب ذنبي... إنه ذنب الذى سكب النفاق والغش والخديعة فى النهر... وكان يقصد بذلك الحاكم الذي أصدر أمره بإغلاق حانوت تاجر الأخلاق والإستيلاء على كل ما به من نفاق حيث أضحى النفاق بذلك بضاعة حكومية فوضعت الحكومة نظاماً لتوزيعه بالبطاقات، ولكن تدخلت المحسوبية في الأمر وفاز الأنصار والمحاسيب بنصيب الأسد وحُرم سائر أفراد الشعب من البضاعة.. وعندما ضج الشعب المحروم من النفاق وطلب أن يأخذ نصيبه منه، ولكن كانت البضاعة الباقية من الضآلة بحيث يستحيل توزيعها على الشعب بأكمله، ففكر الحاكم في طريقة يوزع بها الكمية الباقية بحيث يعطي كل انسان نصيبه من النفاق وانتهى به الأمر لأن يقذف كمية النفاق الباقية في النهر وبذلك يحصل كل انسان على شيء من النفاق. وهكذا جرت مياه النهر بالنفاق وسرى منها إلى كل شي...!!! سرى في النفوس التي لا غنى لأجسامها عن شرب مياه النفاق، وسرى إلى أراضيهم التي لا بد لها من السُقيا بمياه النفاق .. وهكذا سرى النفاق في كل ما يشربون وما يأكلون وأضحوا قوم النفاق وأضحت أراضيهم أرض النفاق...!!!!
ربما قصد يوسف السباعي في روايته أرض النفاق ذلك النهر الكبير الذي يصب في وطنه ويشرب منه جميع أبناء جلدته، ولكنه في الحقيقة لم يعلم حينها أن مسافراً عابراً للقارات شرب من النهر أنذاك وأُعجب بطعم الماء الجاري فيه؛ فأخذ منه زوادة لترحاله وسكب في بقية الأنهار التي عبرها كي يضفي عليها نفس طعم الماء الذي أحب. ومنذ ذلك الحين أضحى النفاق صفة عامة لجميع الشعوب القاطنة في بلادنا العربية ...
وقد تنوع النفاق في هذا الزمن الأعسر وتلون فما بين النفاق السياسي بين صاحب الولاية العامة والسحيج والمرتزق الفاسد والمواطن، والنفاق الديني ما بين الولي والمولى عليه (الشيوخ والكهنة دون استثناء)، والنفاق الوظيفي ما بين المدير والعاملين فدرهم نفاق يساوي حفنة من الطموح والترقي في المنصب، والنفاق الإجتماعي الذي تجاوز حدود التعبير والوصف؛ دخلت شعوبنا العربية في الإخفاقات المتتالية محاولة منها جني المكاسب قدر المستطاع؛ فاختلف بعدها الخطاب الرسمي داخل الجدران عن خارجها وارتعشت الأقلام بالزيف والتزلُق والمدح المُعلن في حضرة صاحب القرار والشتم الموازي خارجه كطنين النحل وأفرخت المواقف المدافعين عن صاحب السلطة أو المال وتوجته بإكليل الظفر وقَلبت الشاشات الإعلامية والفضائيات الحقائق فأصبح مغتصب الأرض ومحتلها صديقاً حميماً والمُطبّع حامياً للعلاقات وللمصلحة العامة وبائع الأراضي والأوقاف والمقدسات مواطناً حاملا للجنسيتنا وهويتنا الوطنية...!!!
وانقسم الرأي العام في إطلاق الأحكام على الشخوص وقتلهم جُزافاً ما بين الشبيح والموالي وانقلب الأعداء الى مدافعين بكلمات تتدفق مدحاً وتبجيلاً مرتمين في الأحضان بكل براءة الذئب وحماقة الثعلب.
فماذا يفعل ذو المروءة بين أهل الخداع فى أرض النفاق إذا...؟!!! يقول السباعي: (يا أهل النفاق!! لوموا الأصل ولا تلوموا المرآة! أيها المنافقون !! هذه قصتكم، ومن كان منكم بلا نفاق فليرحمني بحجر).
قد يتلذذ مجتمعنا في أن يرى بأذنه أكثر من عينه وقد يجعلنا النفاق سعداء مقدرين لذواتنا، في حين تجثم الحقيقة على صدورنا قهراً وحزناً..!!! ولكن في مواجهة حقيقية مع أنفسنا أمام المرآة علينا أن ندرك أنه علينا تحديد موقعنا ما بين النفاق والإخفاق وأن الإرادة هي ما ينقص مجتمعاً بات الفساد يجثم بأوردته...فما أقبح بالمجتمع باطناً عليلاً وظاهراً جميلاً.