ما العيب في الاتصال بالاعداء .. ؟
مالك نصراوين
01-04-2009 04:26 PM
عندما يحدث جفاء بين شخصين ، يلجأ احدهما او كليهما الى مقاطعة الآخر ، وعدم التعامل معه او التحدث اليه ، وهذا امر طبيعي في العلاقات الانسانية ، خاصة عندما تكون العلاقة بينهما ، هي مجرد علاقات اجتماعية لا اكثر ، فلا يوجد بينهما أي عمل او مصلحة مشتركة ، تستتلزم وجود تلك العلاقة .
الامر يختلف في العمل ، عندما يعمل موظفان في مصلحة مشتركة ، تستدعي تعاملا بينهما لمصلحة العمل ، فان المقاطعة هنا غير واردة كما في الحالة الاولى ، والا فان الامر يستدعي استقالة احدهما ، الاكثر تضررا من وجود الاخر ، اذا سمحت ظروفه بذلك ، وهذا نادرا ما يحدث .
اذا كان عدم الاتصال غير مقبول في العمل بين الموظفين ، ومصلحة العمل لا تسمح بالمقاطعة بينهم ، وتلزمهم بوجود حد ادنى من العلاقات والاتصالات ، فكيف يكون الامر بين الدول ، والاتصال بينهم فيه مصلحة لاوطان وشعوب ؟
بعد ان نبش هيكل الماضي ، وتطرق في حكاياته التلفزيونية الى موضوع الاتصالات ، التي كانت تجري بين الاردن واسرائيل في الماضي ، ابان حالة الحرب والمقاطعة العربية الظاهرية ، والتي لا ندري مدى التزام الاخرين بها في تلك الفترة ، لا بد من تذكير هيكل وغيره ، ان الراحل الكبير الحسين بن طلال ، لم يتستر على هذه الاتصالات ، كما اكدها الرئيس زيد الرفاعي ، في رده على هيكل عير فضائية الجزيرة ، فاذا كان هذا الامر يصنف حسب مفهوم هيكل بالخيانة ، فماذا نصنف مثل هذه الاتصالات الان وخلال العقود الاربعة الماضية ، بين مصر واسرائيل عقب حرب تشرين عام 1973 ، والتي كانت فيها مصر السباقة للاعتراف باسرائيل ، وعقد اتفاق السلام معها ، وفتح سفارات متبادلة ، ورفع العلم الاسرائيلي في سماء القاهرة ، وماذا نسمي الاتصالات السرية بين الفلسطينيين ، التي اثمرت اتفاق اوسلو ، او الاتصالات الاسرائيلية القطرية ، البلد الذي يحتضن قناة الجزيرة ، موضع تقة هيكل ، وزيارات بيريز وليفني وغيرهم من الاسرائيليين للدوحة ، وزيارات رئيس وزراء قطر لاسرائيل ، هذه العلاقة غير المبررة ، من دولة ليست في مواجهة مع الاسرائيليين ، بحيث تقتضي هذه المواجهة أي اتصالات من هذا القبيل ، والتي يبدو انها قديمة وغير معلنة ، فهل يجرؤ هيكل على نقد هذه العلاقة التي اتت في غير اوانها ، وقبل تحقيق السلام الشامل الذي يبررها ؟ مثلما ينتقد الملك الراحل على اتصالات في غير اوانها ؟ ولماذا لم ينتقد محطة الجزيرة نفسها ، التي تستضيف الاسرائيليين في برامجها ، فحللت لنفسها ما حرمته على الاخرين .
هيكل وغيره يعيبون على الاردن ، اجراء اتصالات مع العدو ، ابان عهد تحريم الاتصالات معه ، أي ان الموضوع هو الفاصل الزمني بين اتصالات اليوم واتصالات الامس ، وليس مبدأ الاتصال اصلا ، أي ان اتصالات الخمسينات والستينات حرام ، اما اتصالات السبعينات والثمانينات والتسعينات والقرن الحادي والعشرين ، فهي حلال بنظره ، بدليل انه لم ينبس ببنت شفه حول اتصالات مضيفيه في الجزيرة مع اسرائيل ، ونفس الشيء بالنسبة للحديث عن السلام ، الذي يقتضي بالضرورة الاعتراف باسرائيل ، لقد كان مجرد الحديث عن هذا السلام في الخمسينات والستينات خيانة ، ولم يعد كذلك لاحقا ، لقد رفض العرب الصلح والمفاوضات والاعتراف باسرائيل بعد هزيمة حزيران مباشرة ، خلال قمة الخرطوم ، ثم قبلوا قرار مجلس الامن الدولي 242 الذي يعني عكس كل ما ذكر سابقا ، ثم قبلوا مبادرة روجرز ، فهل هذا يعني ان الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، كان بطلا ابان مرحلة الرفض ، واصبح خائنا "لا سمح الله" بعد قبوله بقرارات الامم المتحدة ومبادرات السلام ؟
اذا كان هيكل وغيره من جوقة الاتهاميين ، يعطون الاهمية فقط لعامل الزمن ، ويجعلونه مبررا للاتهام ، فان فيه ايضا ادانة لهم بقصر النظر ، فمن سبق بعمل ، كان يدينه الاخرون ، ثم اكتشف هولاء الاخرين لاحقا انه الصواب ، وادركوا انفسهم بالقيام به متاخرين ، فان من حق الاوائل الذين تعرضوا للاتهام ، ان يعتذر لهم المتاخرون على تسرع احكامهم ، وان يعترفوا لهم بانهم الاكثر معرفة وحكمة ، والسابقين لزمنهم .
اما اذا كان هيكل وغيره ، ينطلقون من تلك النظرة الصبيانية ، التي تقول ان تلك الاتصالات ، كان هدفها نقل المعلومات للعدو ، فاود اولا ان اقول ، أي معلومات يمكن نقلها ، وقد عاش العرب نهاية الخمسينات وحتى نهاية الستينات ، في معارك اعلامية ، وعداوات جرًت عليهم الويلات ، وانقلابات دموية قضت مضاجع دولهم وشعوبهم ، واية خطط عسكرية تم نقلها للعدو ؟ هل كان هناك حروب حقيقية خطط لها ، لقد تصدت مصر للعدوان الثلاثي عام 1956، وهي حرب دفاعية وبالتالي لم يكن لديها خطط هجومية ، ووقف الاردن الموقف القومي المشرف ، ولم يكن هناك خطط عسكرية اصلا ، ولم يشارك الاردن باعدادها لو وجدت ، فكيف يتم نقلها للعدو ؟
خاض العرب حرب حزيران الارتجالية الاعلامية بدون اعداد او خطط حقيقية ، فكانت الهزيمة النكراء ، وجميعنا يذكر كيف كانت العلاقات بين الاردن ودول المواجهة الاخرى ، حتى ما قبل حزيران بخمسة ايام ، عندما ذهب الملك الراحل الى القاهرة ، متساميا على الجراح ، ومدركا خطورة المرحلة ، فاي خطط عسكرية اعدت في هذه الايام الخمسة ، والعدو قد خطط قبلها بكثير ، واعد العدة للهجوم ، فدمرت طائرات مصر كاملة ما عدا اثنتين ، كانتا صدفة في الجو ، واي خطط عسكرية والمخططون سكارى ونياما بعد الليالي الحمراء ، في زمن الاعداد للمعركة المصيرية ؟
اما حرب تشرين ، وهي اخر حروب الدول العربية ، فقد خططت لها سوريا ومصر فقط ، ومع ذلك تراجعت مصر عما خططت له ، وتقزمت نتائج الحرب ، وكان ما كان من اختراقات وتراجعات ، فهل كان للاردن دور في ذلك ؟ لا نريد ان نقول لهيكل ، انه اكثر من يعلم شيم الحسين ومبادئه وشجاعته وتسامحه ايضا ، فحفيد أل هاشم ، وحفيد قادة ثورة العرب الكبرى ، لا يمكن ان يكون ، الا الامين على العهد ، والعميل لا يمكن ابدا ان يكسب احترام مستأجريه ، فهل يمكن لاربع رؤساء امريكيين ان يشاركوا في جنازة زعيم ، ان لم يكن اهلا لهذا الاحترام ، وهل يمكن لعميل ان يتخذ مواقف الند لامريكا واسرائيل ، كما فعل الحسين مع قضية السفير الامريكي ، الذي امر الملك بطرده خلال 12 ساعة ، كما ذكر الرئيس الرفاعي في مقابلته مع الجزيرة ، وكما فعل عندما هدد الاسرائيليين بالغاء اتفاق وادي عربة ان لم يعالج خالد مشعل ، وهل يمكن لاسرائيل ان تستجيب لمثل هذا التهديد ، لولا انها تعلم ان الملك يعني ما يقول ؟
نقول لهيكل ، تعال الى الاردن ، لترى شعبا قوميا حتى النخاع ، يتبنى كل قضايا العرب ، عاش معهم حلم تحرير فلسطين ، وعاش اطفاله حلم العودة الى يافا وحيفا ، كما عاش الخيبة عندما تقلصت الاهداف ، الى الانسحاب لحدود حزيران ، سار الاردن مع العرب دائما ، ولم يتوانى عن واجب قومي ، وكانت قيادته هي التي تحمل الراية ، والشعب من ورائها يسير ، فكانت المحبة المتبادلة ، والتناغم في المباديء والاهداف ، فهل يصنع ذلك غير قائد مخلص وفي ؟
اسئلة منظقية توجه الى هيكل ، والى جوقة الاتهاميين في وطن العرب ، الذين لا يخجلون من استمرار التمسك بهذا الارث اللا اخلاقي ، فلا ادل على لا اخلاقيته ، من تناقض التصنيفات في الاعلام العربي ، فهذا الزعيم وطني وقومي اليوم ، وفي الغد يصبح عميلا وخائنا ، ليعود بعد حين الى النقيض ، وهكذا ، وما على الجماهير العربية ، المقموعة فكريا وثقافيا وجسديا ، الا ان تطبل وتزمر مع الاعلام الاهوج ، وان تطرب لكل هذه التفاهات .
ان الاردنيين والعرب ، مدينون بالفضل للملك الراحل ، الذي حمى الاردن بحكمته وحنكته وشجاعته ومرونته وعقلانيته ، دون ان يتنازل عن مبدأ ، او عن ذرة من الحق العربي ، والذي لولاه ، لكان الاردن في خبر كان ، ولكان الاردنيون لاجئين في دول الجوار ، اما نتيجة لاحتلال اسرائيلي ، او هربا من بطش قادة ثورجيين ، رأينا ماذا جلبوا لشعوبهم من نكبات .
m_nasrawin@yahoo.com