أغاني روك وأغاني راب وكوكتيلات موسيقية لا علاقة لها بالموسيقى وشتات لحني بلا هوية . ماهذا الصخب الموسيقي داخل المحلات التجارية !؟. وإن كنا تحدثنا سابقا عن المظاهر الشبابية الغريبة في أماكن التسوق والمولات والمطاعم مرورا بالتحرش والتعرض إلى ولدنات وتعليقات لم أنج منها شخصيا وأنا برفقة أطفالي، إلا أن الموسيقى العالية في أغلب المحلات التجارية أصبحت أسلوب تطفيش بدل عامل جذب كما يراد لها أن تكون.
سيكولوجيّاً تتبنى سلاسل المحلات التجارية عبر العالم سياسة الموسيقى الكلاسيكية لتنمّي حالة الاستعداد للمتسوق وشعوره بالرضا كي يبقى أطول فترة ممكنة ويدفع ثمن البضاعة بهدوء نفسي مايزيد مكتسبات هذه المحال بطبيعة الحال.. فالموسيقى المقصودة يجب أن تكون خفيفة على السمع وتقلل من نسبة الأدرينالين لا أن ترفعه.. هذا باختصار هو الهدف من بث الموسيقى داخل المحلات التجارية وحتى السوبر ماركت.
لكن ما يحصل هنا بعيد عن الراحة النفسية. بعيد أكثر بكثير من تعزيز مزاجية التسوق وأنت تجد نفسك داخل طوفان الأغاني الصاخبة وصوت الطبول وصراخ المغنين، فلا تعرف هل تبادر بالهرب أو تترك نفسك على شفير الانهيار، وبدل أن تتجول بهدوء نفسي يساعدك على الانتقاء ، كما هو مرجو، فإنك تشعر بالاستفزاز أمام التلوث السمعي، وتجد نفسك تندفع للصياح كي يسمعك الآخرون، ثم تسرع للتخلص من عبء البقاء فترة أطول قبل أن تصاب بصمم مفاجئ . فالتورط داخل علبة الموسيقى تلك لا هدف له سوى أن يطفئ شهوتك للتسوق ويدفعك لاختيارات خاطئة أو يدفعك أحيانا للتراجع عن الشراء، منهياً جولتك التسوقيّة حتى قبل أن تبدأ. هذه الفوضى تمتد حد الابتذال في معاني الكلمات في مقاطع الأغاني الأجنبية والتي في حد ذاتها تحد صريح لكل الأخلاق والأعراف ما يجعلك تذوب اسفاً وأنت تصدم بمثل هذا الذوق الهابط في الأماكن العامة. حاول وأنت هناك أن تتبّع كلمات الأغاني، وقل لي رأيك بمعانيها.
في أحد المرات اضطررت أن أطلب من أحد البائعين أن يخفض الصوت الجنوني لأنه عالٍ بشكل غير معقول ، فما وجد من سذاجة يرد بها أكثر من أن هذا هو (سيستم) المحل ياسيدتي ولا يمكن تغييره، ثم استرسل بتعجّب للتوضيح: هذا المحل هو أصلا فرع للمحلات الرئيسية في فرنسا و نظام الموسيقى العالية هو المتبع! .. لا تملك أمام افادته سوى أن تتعجب من عقل المتعجّب، يا أخي الكريم طفنا وشفنا لكننا لم نتعثر بمثل هذا الخلل الذوقي في محل لبيع ملابس الأطفال لا في فرنسا ولا في فروع كثيرة في بلاد عربية وأجنبية .
ممكن أن نتفهم أن تنبعث هذه المبالغة من الأماكن المخصصة لبيع الأشرطة الغنائية أو الأماكن ذات النمط الغربي ، لكن أن يتغول الضجيج داخل محلات بيع الملابس والاكسسوارات ويفرض عليّ نفسه بذريعة العولمة ويصم أذني ويصدع رأسي ورأس أطفالي فذلك مرفوض ، وشهدت بنفسي أكثر من مرة خروج زبائن أو عزوفهم عن دخول محل معين بسبب الموسيقى الصاخبة. الصمت أرحم، وتلك نصيحة لأصحاب المحال التجارية المفرطة في النشاز الموسيقي، بالمسارعة لوضع حد لهذا الازعاج غير الخلاق ، فهو ينفر الزبائن بدل أن يضمن بقاءهم أو يشجع حضورهم. أو أن هذا هو سيستم المحل، كما تفضل أخونا؟.
الراي