يعد العمل المنظم على إحياء حق العودة سلاحاً فاعلاً ومجدياً في مسيرة النضال الفلسطيني والعربي ضد الاحتلال، إلى جانب حق الكفاح المسلح العادل ضد المحتلين الغزاة على الأرض الفلسطينية بكل ما تتيحه الامكانات وعلى جميع الأصعدة والجبهات، ولذلك ينبغي على المعنيين أن يهبوا في نهاية شهر آذار من كل عام إلى تسيير المسيرات والمظاهرات في كل مواطن اللجوء على امتداد الكرة الأرضية، وأن تكون هذه المسيرات سلميّة ومنظمة، وعلى درجة عالية من السلوك الحضاري النظيف، البعيد كل البعد عن جميع أشكال الشغب والعنف، وأن تكون على درجة عالية من الإعداد والتنظيم والترتيب الملفت الذي يجلب التعاطف والتأييد من كل شعوب العالم.
الاشتغال في مسيرات حق العودة من كندا إلى استراليا مروراً بكل القارات والدول والمدن والحواضر، ومن الجاليات الفلسطينية والعربية ومعهم كل المؤيدين والمناصرين من كل الشعوب الصديقة يعد عملاً جهادياً عظيماً، وليس ضرباً من ضروب العبث ولا يعد ذلك مضيعة للوقت؛ لأنه يؤدي إلى إحياء القضية وإشعالها في نفوس الأجيال الجديدة الذين طال عليهم الأمد، حيث يخضعون إلى آلة إعلامية ماكرة وموجهة؛ تقلب الحقائق وتزوّر الوقائع بحرفية عالية.
هناك فرق كبير بين إشغال الفلسطينيين بأمور أخرى تصرفهم عن جوهر القضية وتبدد طاقاتهم في البحث عن أعداء آخرين غير المحتلين والغزاة وتصرف انتباه الضحية عن القاتل الحقيقي، وبين الاشتغال بإحياء أشواق العودة إلى الوطن وإلى مرابع الأرض ومسقط الرأس وإحياء صور المدن والحواضر الفلسطينية التي يعمل المحتلون الغزاة على تغيير معالمها ومحو هويتها عبر منهجية عملية منظمة تتظافر فيها الجهود التاريخية والتوثيقية إلى جانب السياسية والخطوات العملية في الأرض والميدان.
أشواق العودة إلى الأرض والأوطان أشواق فطرية أصيلة تنبع من أعماق النفس الإنسانية الطبيعية، بغض النظر عن الأفكار والأديان والأيدولوجيات، ويعد اقتلاع الناس من أوطانهم وديارهم ومنازلهم من أشد أعمال العدوان والظلم عبر التاريخ، وهو عمل مستنكر بشع في كل شرائع الأرض والسماء منذ خلق الله الكون، وحق الإنسان في العودة إلى وطنه وأرضه ومنزله حق مقدس، لا تملك قوة في الأرض على محوه وإزالته، ولقد جاء الإسلام ليؤكد قدسية هذا الحق بالنص القاطع الذي لا يماري فيه العقلاء، قال تعالى : (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
لم أرَ أشد جهالة من الذين يحاولون نزع الانتماء الوطني الأصيل من أعماق النفس الإنسانية عبر الأفهام السقيمة لبعض المفاهيم الدينية المغلوطة، وإطلاق مقولات لا حظ لها من العلم والفهم الصحيح بأن الأرض والطين والتراب والأشجار ليست وطناً، وإنما الوطن هو الدين، فهذا محض إفتراء على الدين، لأن الدين يدعوك للتمسك بوطنك وأرضك ويأمرك بالجهاد للدفاع عنها بالروح والدم والمال، من أجل طرد الاحتلال وصد العدوان، وقد أجمع العلماء على فريضة الجهاد على الأمة إذا احتل العدو شبراً من أرض المسلمين وقال العلماء يكون الواجب أولاً على الذين يلون العدو ثم الذين يلونهم .. حتى يندفع العدو ولو استغرق ذلك الأمة كلها.
الدستور