انقلاب النخب .. وقيم برسم الطلب .. !!
د.طلال طلب الشرفات
29-03-2018 10:54 AM
حالة الأنفلات التي تعتري النخب الوطنية في التعاطي مع الشأن العام هي عوامل دفعتني لمحاولة تشخيص الأزمة الوطنية المتمثلة في انتقال السلوك السياسي من حالة استحضار المصلحة الوطنية العليا في كل رأي او قرار الى واقع البراجماتية السلبية والميكافيلية المقيتة ، والأخطر ان المخلصين في تشخيص الأزمة ينطلقون دوماً من محاولة معالجة النتائج دون البحث في الأسباب ، فالأستعماء عن الموضوعية في دراسة اسباب انقلاب النخب على ذاتها وعلى الوطن ومعالجتها هو نكوص آخر يزيد الوضع في البلاد سوءاً ويعيد الى الأذهان العشوائية التي رافقت الأداء العام منذ زمن ليس بقريب .
تراجع منظومة القيم الأخلاقية والوطنية وانهيارها في بعض المجالات هي احد اهم عوامل انحراف السلوك السياسي والاجتماعي احياناً ، فالعشيرة مثلاً كانت منظمة اجتماعية تسهم في ترسيخ القيم الايجابية والتعاون والوحدة والعيش المشترك ، ولكنها اضحت منطمة سياسية مؤقتة وقوى ضغط نفعية تطالب بوزارات ومواقع وتمنع محاكمات وتهدد وتتوعد وتحاول الأستقواء على الدولة وتمنعها احيانا من تطبيق سيادة القانون .
لم نكن حتى وقت قريب نسمع ببيانات عشائرية في الكرك والسلط واربد مثلاً رغم ايماننا الشديد بالدور الأجتماعي للعشيرة ، ولم يكن الخيار الأنتخابي ضيقاً ونفعياً كما هو الحال الآن ، ولم يكن العمل الحزبي مشجباً في المشاركة السياسية وتداول السلطة الذي يشكل عماد الديمقراطيات الحية ، ولكن الامر اصبح مختلفاً والحال لم يعد يسر احداً مهما حاولنا تجميل الصورة "ومكيجة" الأداء والسبب واضح وهو تراجع الهوية الوطنية لمصلحة الهويات الفرعية والمناطقية والفئوية .
أنكفاء النخب وصمتها دون ان يكون البديل المطلوب عنفاً او احتجاجاً وانما حواراً ينقل الوطن الى واقع اكثر وضوحاً وصدقاً في توصيف وتوظيف المقدرات الوطنية ، ويضيف الى المشهد الوطني سلوكاً سياسياً بمضامين ايجابية تزيل عوامل الترقب والاحباط واليأس وتبعث الأمل بغدٍ اجمل ، فاللامبالاة والخنوع الذي يعتري غالبية النخب هو اخطر ما يمر به الوطن في الظرف الراهن ، وأنتقال مفهوم الخدمة العامة من العمل وفق قواعد امانة المسؤولية واحترام الدستور وسيادة القانون الى النفعية وخدمة الذات بعيداً عن اخلاقيات اشغال الموقع العام هي سمة أضحت – للأسف – سمة غالبة وواقع موجع في الممارسة العملية ، حتى وان سمعنا في الاجتماعات والمحافل خلاف ذلك .
دعونا نقارن مثلاً السلوك السياسي للنخب الوطنية والتدرج في انحراف السلوك بعد ذلك ، فالتقاليد البرلمانية كانت تمارس بأحتراف رغم حداثة التجربة ، لم نكن نرى حالة القفز التلقائي في المواقف ، ولم نلمس حضوراً للأشخاص الطارئين على العمل العام الا بعد مرورهم بأختبار شعبي مرير ، والى الدرجة التي كانت القيادات السياسية صناعة وطنية باحتراف وخيار اخلاقي بأمتياز.
معادلة الأداء السياسي والأداري مختلة ومرتبكة والخلل فيها بنيوي وليس في التشريعات والخنوع واللامبالاة الذين يرافقان شاغل الموقع العام هما اخطر ما يمر به الوطن ، وغياب الحوار مع القوى السياسية والأجتماعية ورفض الآخر هما انتكاسة في معادلة البناء الوطني ، وبدون رؤية جامعة تأخذ بعين الأعتبار اسباب تراجع وانهيار منظومة القيم لا يمكن ان نتقدم خطوة واحدة الى الأمام .
الهويات الفرعية وتسييس مفهوم العشائرية وانتهاك سيادة القانون وغياب المساواة والشفافية وتكافؤ الفرص وتراجع مفهوم الرقابة الشعبية هي اسباب رئيسة وليست كاملة لأنحراف السلوك السياسي والأداري وتراجع منظومة القيم الأيجابية .....!!!