-1-
يتحكم بمصير العالم أقل من واحد بالمائة من سكانه، وواحد بالمائة من هذه النسبة الضئيلة، هي ما تقرر مصير البقية، إن تعذر عليك أن تكون من أي من هذه الفئات، فلن يتعذر عليك أن تكون أنت من يحكم نفسك، ومن يقرر مصيرك!
قد تحاول أن تغير بكل ما أوتيت من قوة من الواقع الذي تعيش فيه، وقد تفشل، فعملية التغيير جهد جماعي، وهي مسيرة معقدة جدا؛ لأنها متعلقة بآخرين، لكنك ستنجح بالتأكيد حينما يتعلق الأمر بتغيير واقعك الشخصي، وبناء «كبسولتك» الخاصة التي تأوي إليها كلما اختنقت من الخارج!
فلسفة «الكبسولة» ببساطة ليست انكفاء على الذات، بل هي بناء ملاذ آمن، أو منطقة محررة لك وحدك، لا يدخلها غيرك، أو من تأذن لهم، وتستأنس بوجودهم، في ظل ظروف سياسية عربية بالغة التعقيد، وعصر انهيار شبه كامل لكل شيء، من المشروع أن تفكر بخلاص ذاتي، وعلى نطاق محدود جدا، تحده قدرتك على اتخاذ القرار، يقال هنا انك حينما تشارف على الوصول إلى حافة اليأس مما يحيط بك، تبدأ بالاهتمام بحديقة منزلك، التعبير يختزل الكثير من فلسفة الكبسولة، هو ليس هروبا من المسؤولية ومكابدة الناس، بل انسحابا تكتيكيا إلى الداخل، كلما شعرت أنك بحاجة لاستراحة محارب، لتواصل بعد هذه الاستراحة المكابدة والمجاهدة والمناجزة!
-2-
سأعترف، حينما أبدأ بالكتابة، أستحضرك، وأتجاذب أطراف الصمت معك،
أشعر أنني أصنع «كبسولة» معزولة، مليئة بالهواء البكر الذي لم يتنفسه أحد بعد!
اللُّغَةُ... كبسولة هواء نَقِيّ ألوذ بِهَا؛ لأتنفسك!
بين شهيق وزفير، أكاد أختنق بهما، أحاول أنْ أصنع «كبسولة» هواء نقي؛
لأتنفس بحرية، وفرح، أنجح حينًا، وأخفق في كثير من الأحيان، لكنني لا أستسلم!
أستخلص من وسط الركام، ورائحة البارود، وضباب الكراهية، مساحة صغيرة؛ لأصنع كبسولة وأملؤها بأنفاسك، أضعها على فمي كجهاز التنفس، كلما شارفت على الاختناق!
-3-
يحسب البعض أنَّ الخلود إلى النفس، ومسامرة العزلة ضربًا من النكد والكآبة،
هؤلاء غير متصالحين مع أنفسهم لدرجة الانفراد بها!
حينما نلتقي نرمم عزلة الكون... ونرممنا!
ما أصعب أنْ تعود من «خلوة» مع الذات... لمكابدة الناس!
في الخلوة فوائد جمة، ولا يمكن أنْ تعرف نفسك على نحو جيد، إذا لم تتح لك الفرصة لأنْ تخلو بنفسك لساعات قليلة ولو كل أسبوع أو حتى شهر!
في الخلوة... محاولة لاصطياد لحظة «راحة بال»!
-4-
قد لا يتسنى للجميع بناء كبسولتهم الخاصة بهم فيزيائيا، كأن يجعل له مكانا حقيقيا يختلي به بنفسه، ولكن لن يكون أي أحد عاجزا عن بناء خلوته المعنوية، حتى وسط الضجيج والفوضى، إنها عملية ذكاء ذهني، تسحبك إلى داخلك، كلما شعرت أنك بحاجة لأن تهجر الكل، وتخلو بك!
الدستور