حل موعد اجتماع القمة العربية السنوي كما تحل اعياد ميلادنا كل سنة, نفرح بها مع انها تنقص من أعمارنا وتثقل كواهلنا وتقلل خطواتنا وشهيتنا نحو الحياة.
يا فرحتنا, فقد اصبح للقمة العربية موعد سنوي ثابت, لا يمكن تجاوزه, نعود فيه لنلتقي ونتذكر خيباتنا ونطلق امانينا ونسرح في خيالاتنا, ونعمل على إزالة ما علق بنا من ادران خلال الاثني عشر شهرا الماضية.
ندخل الى قمة الدوحة اليوم لنطفئ شمعتها الحادية والعشرين عسى ان تهمد نار خلافاتنا, ونفتح صفحة بيضاء جديدة لجدول الاعمال الذي لم يتغير منذ عام ,1964 بل هو في زيادة مستمرة دون نقصان, فقضايانا ما زالت هي نفسها واعداؤنا هم انفسهم, بل زادوا شراسة وخبثا وعددا, فمنهم الظاهر للعيان ومنهم الخفي وغير المرئي.
مشاكلنا لا نتذكرها الا قبل اسابيع من موعد القمة, نتفقدها, نطمئن على وجودها وثقل وزنها, فلولاها لما اجتمعنا, مشاكلنا ترحل وراءنا, وتقودنا من عاصمة الى اخرى, نحاول ان نتغاضى عنها فتسبقنا كظلنا الى قاعة الاجتماعات, وليس أمامنا سوى التقليل من خطورتها, فقد تعودنا عليها وانسنا وجودها, لذلك نحاول ان نخوض في الملفات ونعبر الى اجتماعات هادئة منتجة تريح "المعزب" وتجعله لا يندم على ما خسره من مصاريف استضافة 22 وفدا عربيا ما عدا المنظمات الدولية والاقليمية.
لن تختلف هذه القمة عن سابقاتها, استقبلناها بخلافاتنا ونزاعاتنا وتحالفاتنا من فوق وتحت الطاولة, والجميع حريص على التضامن العربي في حدوده الدنيا, وما أن حان الموعد وازفت الساعة, حتى دبت الحرارة في الحلقات الدبلوماسية وكثرت الزيارات والمصافحات والقُبل وبدأت الواسطات لتنقية الاجواء او نصب الافخاخ, لكن الاهم ان نمهد الطريق امام السجاد الاحمر ليجد طريقه بين الطائرات الرئاسية ومطار الدولة المضيفة.
ندخل القمة بعقلية الفرد وليس بعقلية الجماعة, وكل دولة تقيس الامور على مسطرتها الخاصة, فمنا من يجمع الموقف وضده, مع أن الجميع يدّعون ان المرحلة خطيرة, وما عادت تنتظر التسويف والتأجيل.
"سبحان الله كم من مرحلة خطيرة مرت ولا زلنا نراوح في مكاننا ونجتر مواقفنا وشعاراتنا".
بعض الزعماء العرب يفدون الى القمة وهم يعتقدون ان حضورهم "سيفوت الفرصة على اعداء الامة, ويرد سهام الحاقدين والموتورين الى نحورهم وجحورهم...", وآخرون يعتقدون ان مجرد وصولهم الى الدولة المضيفة "مكسب للأمة يضاف الى ميزان حسناتهم يوم القيامة" إن كان هناك حسنات.
القمة لم تعد تثير شهية العربان, لانهم غسلوا ايديهم منها, ولا يتوقعون منها شيئا, فقد سئموا الخطابات والمحاضرات, والكاميرات والبث المباشر, ولو كان حفل الافتتاح في ساعات المساء لنافسته المسلسلات التركية بعدد المشاهدين.
اجزم ان اي مواطن عربي من المحيط الى الخليج مهما كان تحصيله العلمي, يستطيع اليوم وقبل حفل الافتتاح ان يكتب بخط يده البيان الختامي للقمة, لان كلماتها وشعاراتها باتت معروفة, فالانجاز لم يغادر خانة الصفر, وفلسطين ما زالت تحت الاحتلال وكذلك الجولان, ومزارع شبعا والجزر الاماراتية الثلاث, ولواء الاسكندرون, بل زدنا عليها احتلال العراق, والصومال, ومشاكل السودان وجزر القمر, ونسينا إننا نطلب السلام, من دون ان نعد أنفسنا للحرب.0
nabil.ghishan@alarabalyawm.net