"كلمة السرّ" في رؤية المجالي
د. محمد أبو رمان
31-03-2009 06:05 AM
بعد عقود من البناء والتنمية والعمل على التطوير، وجدت "دوائر القرار" أنّ قوة الحكومة الحقيقية المنظمة تكمن داخل مؤسسات الدولة فقط، أمّا في "الشارع" فالتفرد والهيمنة للإسلاميين
على مدى ساعتين، من حواره مع "الغد"، استعرض رئيس مجلس النواب رؤيته للعديد من الملفات الرئيسة في المشهد السياسي المحلي، وفي مقدمتها مشروع الأقاليم الجدلي، وأبعاد الإصلاح السياسي المطلوب، وكذلك مستقبل حزب التيار الوطني "تحت التأسيس"، إذ من المتوقع أن يرى النور قريباً.
"كلمة السر" التي تغوص في عمق رؤية الرجل السياسية اليوم تتمثل بـ" ترتيب البيت الداخلي". واللافت أنّ هذا التفكير يتزامن مع التحركات والتصريحات الصادرة، تحديداً عن رجالات دولة كبار، حالياً وسابقاً، يقدمون خلالها رؤيتهم ومشاريع نحو الإصلاح والتغيير، لكن أغلبها يتجنب تغيير "قانون الصوت الواحد"، وفيما يبدو أنّ ذلك انعكاساً للتوجه العام داخل الدولة بالإبقاء على هذا القانون.
بعيداً عن الأجندات الخاصة، أحسب أنّ التركير على "ترتيب البيت الداخلي"، لدى شخصيات سياسية مخضرمة، يعكس إدراكاً متزايداً بتنامي الفجوة بين الدولة والمجتمع، وحدوث فراغ كبير نجم عن انسحاب الدولة من "الدور الرعائي" السابق، وتزايد مساحة الاستقلالية الاقتصادية والثقافية عنها، حتى داخل المجتمع "الشرق أردني"، الذي مثّل تقليدياً العمود الفقري للاستقرار السياسي.
بعد عقود من البناء والتنمية والعمل على التطوير، وجدت "دوائر القرار" أنّ قوة الحكومة الحقيقية المنظمة تكمن داخل مؤسسات الدولة فقط، أمّا في "الشارع" فالتفرد والهيمنة للإسلاميين، وتحديداً الإخوان المسلمين، وهم من سيمتلكون "القوة التمثيلية" الرئيسة في مؤسسات الدولة الانتخابية كالبرلمان والبلديات، في حال جرت الانتخابات على قاعدة أوزان القوى السياسية الحقيقية في الشارع.
تلك القراءة، فيما يبدو، بمثابة معضلة أمام وجود "إرادة صارمة" لدى مؤسسات الدولة للمضي قدماً نحو "إصلاح سياسي بنيوي"، وتجسّد حالة القلق التي تنتاب النخبة السياسية المخضرمة، بل وتعكس الجدالات داخل "الأروقة الرسمية".
في السياق يمكن التقاط جملة المجالي، غير المعترضة، لتصريحه حول أكثر ما يقلقه على مستقبل الأردن، إذ يقول "ولّى عهد الخوف من الخارج، فالخوف اليوم من الداخل".
وفي ظني، خشية المجالي على "الداخل" أكبر في حجمها وعمقها من موضوعة "تنامي الفكر المتطرف"، وتعود إلى ما تحدث عنه مفصّلاً في الحوار من وجود حركة إسلامية قوية، تشير المعطيات إلى أزمة تتجذّر بينها وبين مؤسسة الحكم، مع "تشرذم الشريحة الوطنية"، على حد تعبير المجالي نفسه، وهو ما يخلق "فراغاً" سياسياً كبيراً، أحد تجلياته "الفكر المتطرف" في أحشاء اجتماعية "حسّاسة".
مما يعزز حالة القلق من "الوضع الداخلي" البيانات والمؤشرات التي تقدمها دراسات واستطلاعات (غير منشورة) حول اتجاهات الشباب الأردني في قضايا الانتماء والاندماج السياسي وتشي بأرقام ودلالات مقلقة ومزعجة لدى المسؤولين.
من هنا، وُلدت فكرة "التيار الوطني" ليس فقط لدى المجالي بل لدى "رجالات" داخل مؤسسات الحكم وخارجها، لتملأ الفراغ، وتوحّد "الشريحة الوطنية"، لخلق قوة سياسية قادرة على تعبئة الشارع منافسة للإسلاميين.
يبدو هذا الطرح، للوهلة الأولى، صلباً ومتماسكاً، ويفسح المجال لتنافس سياسي أكبر وتعددية حزبية في الشارع. لكن بقراءة أكثر عمقاً وتدقيقاً، فإنّ هنالك ثغرات كبيرة فيه، بخاصة مع "مظنّة" رعاية التيار وتعبيد الطريق له من الدولة مما يجعله، ابتداءً، مشروعاً رسمياً أكثر منه شعبياً، ويؤدي إلى فقدان فكرته الرئيسة، أي الانطلاق من الشارع باتجاه مؤسسات الدولة، وليس العكس، بل ويعزز هاجس أن يصبح شبيهاً بتجربة "حزب الدولة الحاكم".
بالطبع، المجالي ينفي فرضية "استنساخ" تجارب الأحزاب الحاكمة، ويؤكد أنّ الحزب مقبل ببرنامج خاص به، وكأنه "سيستلم الحكم غداً". لكن في نهاية اليوم فإنّ "العلاقة الخلفية" بين الحزب الجديد وبين مؤسسات الدولة ستحول دون تطويره لرؤية نقدية مقنعة لدى الشارع من ناحية، بل وستربطه في إدراك "الشارع" بالدولة، وتجعل منه "ركاباً" للأشخاص الباحثين عن "نجومية" ذاتية.
هذا الهاجس ليس مصادرةً على تجربة الحزب قبل الانطلاق، ولا حكماً مسبقاً بالإعدام عليه، وقبل رؤية أدبياته، لكن المقصود إعادة النظر في "المربع الأول" الذي ستقلع منه التجربة الجديدة. فحتى يكتب لها النجاح وتملأ الفراغ وتشكل منافساً حقيقياً في الساحة الحزبية الوطنية لا بد أن تنطلق من مبادرة ذاتية وتجمع على قاعدة المطلب الإصلاحي.
ما يحتاجه الشارع لملء الفراغ الحالي ليس وجود تيار يربط الشارع بمؤسسات الحكم، بل "تيار وطني إصلاحي" يعبر عن مصالح الناس ومخاوفهم الحقيقية، ويقودهم نحو تجديد الأوضاع السياسية والاقتصادية بما يمنح الجبهة الداخلية قوة وصلابة فعلية، لا شكلية، مستمدة من تيار يمثل "نبض الأغلبية" بقوته الذاتية.
m.aburumman@alghad.jo