اين نحن مِنْ هذه الأدوار: إنجابي؟ اجتماعي؟ اقتصادي؟
ناديا هاشم العالول
27-03-2018 12:24 AM
احنُّ دوْما لشهر آذار دون ان أدرك السرّ وراء انجذابي له، ربما لتوليفته الربيعية المضمخة بتضحية الأمومة وعنفوان الكرامة وطيبة الارض المطيّبة بطيبها المعتّق وبجذورها الصامدة التي تستحق كل تكريم واحترام!
قيل الكثير في شهر آذار بأمثال شعبية لطالما تالّقت بعتمة الليل وبوضح النهار: «ففي آذار بتحيا الأشجار، وفي شهر آذار طلِّع بقراتك من الدار، خبّي فحماتك الكبار لشهر آذار، آذار ابو الزلازل والأمطار وفيه سبع ثلجات، آذار اوّلُه سقْعة وآخره نار، في آذار بعشعش الدوري وتورق الأشجار»..
ولكنْ للأسف عبث الانسان بالطبيعة غيّر الكثير من معالم آذار!
ونعزف على لحن آذاري آخر: ترى هل انتهت الاحتفالات بيوم المرأة او بالأحرى بشهر المرأة؟ باعتقادي المتواضع كلا لم تنته.. فكثيرا ما يستقرض شهر آذار من بدايات نيسان بضعة أيام أخرى لرأب صدع الإحتفائيات بالمرأة ولسدّ ثغرات التقصير بحقّها..
فكم تابعنا نشاطات آذار كمشاركات ومدعوات تارة ملبيات نداءات الإعلام الإذاعية و التلفزيونية وتارة أخرى نخوض بحوارات ثقافية واجتماعية وإقتصادية وسياسية تتمحور حول ثلاثية المرأة والكرامة والأرض ..
معرّجين ايضا على عيد الأم حيث تحتفل فيه دول العالم لتكريم الأمومة ورابطة الأم بأبنائها وتأثير الأمهات على المجتمع، عيد استحدثه المفكرون الغربيون عندما شعروا بان الأبناء عندهم بدأوا ينسون أمهاتهم مقصّرين برعايتهم لهن فاخترعوا يوماً بالسنة ليذكّروا الأبناء بأمهاتهم، ولاحقا اتسعت رقعة المحتفين به حتى صار يُحتفل به في شتى المدن في العالم وفي الأغلب في شهر آذار او نيسان او أيار.. وفي البلاد العربية ب 21 اذار مع بداية فصل الربيع، مع ان الأسرة العربية كانت دوما متكاتفة.. لم تكن بحاجة الى عيد لتذكير الأبناء بفضل امهاتهم وحثّهم على تقديرهن كجزء لا يتجزأ من منظومة برّ الوالدْين بتحصيلها الحاصل النابع من ثقافة تتلمذنا عليها..
ولكنْ «كانَ» فعل ماض ناقص!
أمّا بالوقت الحاضر ونظرا لزحمة الحياة فقد تداعت أواصر العلاقات، فطاحونة الأيام تطحننا بدوالايبها، فطغى اللاحسّ واللاإحساس على كل إحساس نتيجة سيطرة الديجيتال والتكنولوجيا على مسارات حياتنا مقرّبة بتقنيتها البعيد، ومبعدة القريب متجرّعين سموم التطوّر مسيئين بذلك الإختيار كوننا نختار الأسوأ من التراث نابذين فضائله.. و نختار الأسوأ من الحداثة المتطورة مسقطين إيجابياتها عبر توليفة معكوسة اوقعتنا بدائرة استهلاكية حوّلت إنسان العالم الثالث الى جسد بلا روح.. وهيكل بلا مضمون.. تُقْعِدُ مسيرته بيئة طاردة لكل إنجاز..
والحل الذي نريد لا يكمن فقط باسترجاع كل ما هو مفقود من معانينا الانسانية ومضامينها الراقية، عبر عيد يذكّرنا بإنسانيتنا ليوقفنا عن الركض واللهاث وراء اهداف برّاقة جوفاء سبب كل مصيبة وبلاء!
منتقلين بهذه العجالة الى دور المرأة العربية والمسلمة التي شقت طريقها منذ فجر الإسلام حتى عصرنا الحاضر بشقِّ النفس صعودا هبوطا تتقاذفها تيارات ثقافية ليس لها قرار، فما تكاد تتقدم الى الأمام خطوة حتى تتراجع للخلف خطوات برحلة مكوكية تستنزف طاقاتها لتقيم دوما بين وأْديْ الماضي والحاضر وهكذا.. وللخروج من هذا الوأد علينا ان ندرك الرسالة المنوطة بوجودنا على ظهر هذه البسيطة وكفانا عبثا بمصيرنا ومصير غيرنا؟ أم ترانا ندرك ولكن لا نأبه!
فمن المؤكد بأن دوْرنا الإنساني ذكورا وإناثا هو أرقى بكثير من أدوار بقية الكائنات الحية لتميّز الإنسان عنها بالعقل والنطق.. فقوله تعالى: «اسعوا بمناكبها» مطالبا إيّانا بالسعي نساء رجالا، فهل من المعقول مثلا ان يقتصر دور الإنسان على الإنجاب فقط؟ قطعا لا فالكائنات الحية الأخرى قادرة على التكاثر وهي مؤهلة طبيعيا لفعل ذلك دونما حاجة الى تعليم وتدريب..
ولهذا لا يجوز ان تقتصر حياة وحاجة الانسان على التكاثر والغذاء من اجل البقاء.. فقد تعقّدت شروط البقاء بحيث تتطلب من الإنسان الإرتقاء على الصعد كافة، إن كان يريد تفعيل وجوده بتركه بصمات ايجابية تذكرها الانسانية.. لا ان يكون مجرد رقم عابر مع العابرين..
فان اقتصر وجود الإنسانية على الإنجاب والتكاثر فمن يعمّر الأرض؟ فإعمارها لا يكون بالتكاثر وزيادة الكم دون النوْع ولا بالاحتفالات والتصفيق والتطبيل؟ بل بالعمل المتقن والانجاز ليكتمل دوره عبر إضافة ادوار فاعلة تربوية و اجتماعية واقتصادية واحيانا سياسية لدوره الأساسي .. ادوار اخرى تليق بإنسانيته، فالعلم وحده لا يكفي إنْ لم يقترن بالعمل المتقَن المتداخل دوما بكل صغيرة وكبيرة بمسيرة الإنسان وواقعه المعاش، لئلا تبقى المعرفة بواد والتطبيق بواد آخر..
فالسعي لا يقتصر على دائرة التكاثر والغذاء.. فالسعي يعني ان نمسك جميعنا ذكورا وإناثا بزمام الأمور أثناء قيامنا بواجباتنا الإصلاحية والتنموية المنوطة بنا على احسن وجه سواء إبّان أعياد آذار و ما قبلها وبعدها.. بل طيلة العام!
الرأي