يروى ان إمرأة تداور على اغتصابها عشرة رجال، فأنجبت طفلاً حلو الوجه أسمرًا، وأن سجانًا رق قلبه للطفل مرة، فأتى بشيخ يروي له قصة المساء، لما دخل الشيخ عليهم وجد الطفل في حضن أمه المتكورة على نفسها في زاوية وطير الخوف والتوجس والظلم تأكل من رأسها وعينيها، حاول الشيخ ان يبث السكينة في قلبهما ، أخبرهما أنه ليس جبارًا بل أتى ليروي للطفل قصة تسليه.
فقال للصغير أن عصفورًا يقف على شجرة، فسأله الطفل : ما هو العصفور وما هي الشجرة ؟ اقترب الشيخ من الطفل، أمسكه من كتفه وقربه إليه ثم قال : وأن نهرًا يجري في غابة وكانت الشمس في كبد السماء. فسأله الطفل وهو يجول ببصره بين الشيخ وأمه : ما هو النهر والغابة والشمس والسماء؟
أسقط في قلب الشيخ أن هذا الطفل لم يخرج من زنزانته، ولم يُهَرَب له بضعة من نور ولا أحدٌ سرق له قطعة من السماء، فسأله ليزداد إيماناً : أما خرجت من هنا أبدًا ؟
رد عليه الطفل مستغربًا : وهل هناك غير هذه الغرفة في غيرها؟
أوليس كل خلف هذا الباب مثل هذا المكان ؟!
بكى شيخنا ولَم يدري ما يقول فحتى حي بن يقظان ولد ابن طفيل عرف الله لما عرف خلقه، وهذا المسكين لا يعرف ما هو العصفور ولا حتى أي شيء، فكيف سنخبره أن الله ولي كل مظلوم ولو بعد حين.
وددت لو أخبرك أن ما سبق قصة خرافية، لكنها قصة حصلت في مكان ما، لفتاة رفض أبوها أن ينحني لظالم فكسر الظلم ظهر ابنته، أما الأم والطفل والشيخ والسجان فمازالوا أحياء الى الان .
وأخاف أنا أيضًا أنني لو سألتك أنت ما هو العدل ؟ وما هي الحرية والإيمان ؟ أن لا تتعدى إجاباتك ما لقنت إياه لما كنت طفلا وأننا لا نجتمع أنا وأنت وغيرنا على تعريف جامع لكل ما سبق و لا نمتلك تفسيرًا مقنعا
له أيضا .
وأخاف أننا حبسنا تراثنا وإنساننا في سجنٍ فظننا وهما أن العالم كله ذاك، لا شيء غيره، وأن الفساد فعل اصيل، كذلك الإيمان يقع دون السؤال والشك، وأن ما يقوله شيخ الأجرة هو مطلق اليقين ومنجاة الصراط المستقيم، وأن النهب والسرقة شطارة وسنة للقوي أو الذكي وأن العدل في يوم القيامة فقط .
أخاف أن نكون بحبسنا نسينا لغتنا فلا عرفنا معنى الحرية والنزاهة والمسؤولية والمعرفة والحقيقة وحتى الإيمان ، فأمسكت كلمات ننطقها ولا نعرف كننها ومعناها، دال من غير مدلول ولا دلالة .
ونهاية أخاف ان نكون طفلًا محبوسًا لأمةٍ كسر ظهرها الظلمُ والجهل والاستعمار والفساد فما عرفنا من دنيانا غير سجننا، ولما أتانا الشيخ الرقيق لم نسأله ما هو العصفور بل أنكرنا عليه العصفور والنهر والغابة وحتى السماء !