facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




عجز الموازنة العامة السنوي وقانون الدين العام مخالفان للدستور


د. عادل يعقوب الشمايله
26-03-2018 09:26 AM

تنص المادة 111 من الدستور الاردني:" وعلى الحكومة ان تأخذ في فرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وان لا تتجاوز مقدرة المكلفين على الاداء وحاجة الدولة الى المال".

يتضح من نص هذه المادة أن الدستور الاردني قد تبنى مبدأ " الموازنة المتوازنة". ومعنى الموازنة المتوازنة: أن تتساوى النفقات العامة مع الايرادات العامة. وبكلمات اخرى، لا يجوز للحكومة أن تقدم للسلطة التشريعية (مجلس النواب ومجلس الاعيان) موازنة غير متوازنة ولا يجوز للسلطة التشريعية أن تقر موازنة غير متوازنة تتضمن عجزا ماليا مهما كان مبلغه. الامر الثاني الذي يجب ان يفهم من نص المادة 111 ومن ثم أن يتبع: أن حق الحكومة في تحصيل الضرائب مقيد بقيدين: الاول أن تجمع فقط قدر حاجة الدولة للمال. القيد الثاني عدم تجاوز قدرة المكلفين على تحمل الضرائب. أي أن سلطة الدولة في تحصيل الضرائب وجمع الايرادت العامة ليست مطلقة، وبالتالي على الحكومة والشعب أن يعلما أن الدستور لم يترك المواطنين مكشوفين تحت رحمة الحكومة وكرمها. ومن الضروري أن أنوه قبل ان استرسل في التحليل أن موقفي العلمي الاكاديمي قد لا يتفق بالضرورة، مع مبدأ الموازنة المتوازنة على وجاهته ومبرراته التي يؤمن بها كثير من الاقتصاديين. ولكنني أعرض واناقش وضعا قانونيا لا خيار أمام الحكومة الا الاذعان له والالتزام به طالما أنه قائم. كما أنني اوجه رسالة للمواطنين حين اتحدث عن الدستور، أن مخالفته تفقد الحكومة شرعية وجودها وسلطتها على اتخاذ أي قرار.

يستنتج مما سبق أن الدستور لا يسمح بوجود عجز في الموازنة العامة. وبناءا عليه، فان وجود عجز يمثل مخالفة صريحة للدستور، بل مغامرة غير محسوبة النتائج ما لم يكن موقف الحكومة مبنيا على يقينهم بجهل الناس وجهل ممثليهم بالنصوص الدستورية وحدود الحكومة. وحيث ان قوانين الموازنة العامة التي دأبت الحكومات الاردنية المتعاقبة على تقديمها للسلطة التشريعية لاقرارها تتضمن عجزا في الموازنة، فأن تلك القوانين كلها مخالفة للدستور، وان جميع الحكومات دون استثناء وكذلك السلطة التشريعية تكون قد ارتكبت مخالفة للدستور لا يمكن إنكارها كما أنها لا تسقط بالتقادم.

يترتب على عدم دستورية وجود عجز في الموازنة العامة، عدم دستورية تغطية العجز المالي من خلال الحصول على قروض سواءا محلية أو أجنبية. أي أن قانون الدين العام الحالي ليس دستوريا البتة، لعدم وجود مبرر للدين أصلا حسب مبدا الموازنة المتوازنة، وعدم وجود نص في الدستور يجيز الاقتراض. والادهى من ذلك عدم وجود نص في الدستور يجيز للحكومة وللسطلة التشريعية اصدار قانون للدين العام. وبالتالي فان قانون الدين العام باطل وأن من قاموا باقراره ووضعه موضع التنفيذ قد ارتكبوا ايضا مخالفة جسورة للدستور. وتعتبر كافة الجهات التي اقرضت الاردن شريكة في تحمل المسؤولية لان من وقع معها على عقود الدين غير مخولين قانونيا ولا يوجد سند قانوني يلزم الاردن بسدادها. ان البنوك العادية لا تمنح اي شركة قرضا الا بعد ان "يرفق مع الطلب" رخصة الشركة وعقد تأسيسها (دستورها) واسماء المفوضين بالتوقيع عنها للتأكد من ان عقد التأسيس يسمح بالاقتراض أم لا وما هو السقف المسموح به. هذه الوثائق تطلب من اي هيئة معنوية. والحكومة بالطبع شخص معنوي.

ومن الضروري أن أبين أن عدم تعرض الدستور لموضوع الدين العام لم يكن عن غفلة أو جهل من المشرع، انما كان ذلك توافقا مع مبدأ " الموازنة المتوازنة" الذي اعتمده الدستور كما بينت أعلاه.

وبالتتابع، تنص المادة 112/1/4 من الدستور: "لمجلس الامة عند المناقشة في مشروع قانون الموازنة العامة او في القوانين المؤقتة المتعلقة بها ان ينقص من النفقات في الفصول بحسب ما يراه موافقاً للمصلحة العامة وليس له ان يزيد في تلك النفقات لا بطريقة التعديل ولا بطريقة الاقتراع المقدم على حدة". هذا النص في الدستور يؤكد على عدم اطلاق يد الحكومة في تحديد حجم الانفاق العام حتى لا تثقل كاهل المواطنين بالضرائب والرسوم، خاصة وان الوسيلة الوحيدة لتمويل النفقات العامة هي الايرادات من الضرائب والرسوم. ولذلك أعطى الدستور للسلطة التشريعية الحق في تخفيض النفقات العامة المقترحة من الحكومة. هذه المادة من الدستور وضعت صمام الامان بيد ممثلي الشعب المنتخبين. يستطيعون تخفيض النفقات لمنع التمادي في فرض الضرائب. ليس هذا فحسب، وانما تعطي هذه المادة للسلطة التشريعية الحق بالتدخل باعادة ترتيب الاولويات وتحديد الاكثر اهمية وكيف تصرف الاموال العامة التي يدفعها المواطنون، حتى لا يكون الشطب عشوائيا بل موافقا للمصلحة العامة.

الامر الاخر والمساوي في الاهمية، أن الدستور منع بموجب المادة 112/1/5 السلطة التشريعية من زيادة الضرائب أثناء النظر في اقرار الموازنة العامة حتى لا تضطر السلطة التشريعية لفرض مزيد من الضرائب والرسوم لتحقيق التوازن في الموازنة العامة بدلا من شطب بعض النفقات العامة إما إستجابة لضغط الحكومة عليها أو لارضاء الناخبين بتمرير نفقات لها طابع انتخابي ومن ثم زيادة الضرائب لتمويلها.
لقد بينت بشكل واضح وعلمي وقانوني بدون "مزاودة أو طلب للشعبية"، كيف أن الحكومات ومجالس السلطة التشريعية تخالف الدستور وبشكل متعمد ومتكرر. هؤلاء الذين أقسموا أمام الملك والشعب على صيانة الدستور والالتزام به قبل مباشرة أعمالهم. ومن الضروري أن يعرف القارئ أن الدستور في أي دولة هو مصدر شرعيتها وهو الذي يحدد السلطات ويوزعها وهو الذي يسمح بصدور القوانين والانظمة لترجمة نصوصه. ولذلك فان من المتعارف عليه وصف الدستور بأنه ابو القوانين وسيدها. ولما كانت مخالفة القوانين العادية ترتب جزاءات على مرتكبها تتصاعد مع حجم المخالفة وضررها، فإن مخالفة الدستور ترتب عقوبات أشد وأمضى. إن من يتجاوز إشارة المرور أو يقطع شجرة حرجية يعرض نفسه لعقوبات مالية وقد تصل الى السجن فكيف بمن يخالف الدستور؟. ولتبيان خطر مخالفة الدستور خاصة في شؤون الموازنة العامة فانه قد تم عزل رئيسة جمهورية البرازيل المنتخبة، من منصبها وحوكمت لانها وافقت على التلاعب في ارقام الموازنة العامة لتضخيم انجازاتها وانجازات حكومتها امام المواطنين حتى يعاد انتخابها وانتخاب حزبها مرة اخرى. لقد أظهرت حكومتها ارقام الموازنة على غير حقيققها بشكل أعتبر تضليلا للرأي العام. طبعا هذه جريمة كبيرة.، وهذه ليست الحالة الوحيدة في تاريخ الحكومات الديموقراطية. بالمقارنة، كيف يتقبل المواطن المهتم "ليس بشؤون بلده فقط وانما بمصلحته الشخصية ومستقبله ومستقبل اسرته ايضا"، قيام الحكومات الاردنية بتحميل الدولة وبالتالي تحميله اكثر من 27 مليار دينار مديونية دون سند قانوني؟ علما بان المبلغ يتزايد سنويا كما تتزايد فوائده، ولن تمر فترة طويلة قبل أن تلتهم الفوائد معظم ايرادات الدولة من الضرائب والرسوم. لقد نهت المادة من الدستور الحكومة عن الاقتراض الاجباري من المواطنين. ما فعلته الحكومات المتعاقبة فعليا هو الاقتراض الاجباري، لان الاقتراض الخارجي والداخلي من البنوك أو سندات التنمية لا بد أن يسدد في النهاية من جيوب المواطنين. وهذه مخالفة اخرى للدستور: "لان المواطنين وبموجب العقد بينهم وبين الدولة أوالحكومة بشكل ادق قد حجروا على الحكومة حق تجاوز الايرادات من الضرائب والرسوم، وبالتالي لا مبرر للاستدانة".
إن من البدهي أن الوزراء والنواب والاعيان الذين شاركوا في اتخاذ تلك القرارات المخالفة للدستور يفقدون أوتوماتيكيا مناصبهم لانهم لم يتولوا تلك المناصب اصلا الا بعد اداء القسم امام الملك على ان يصونوا الدستور ويلتزموا بمواده. اي ان واجبهم الاول والاخير هو تطبيق الدستور، ومن خلال تطبيق الدستور تكون قراراتهم قانونية. ونظرا لانهم خالفوا الدستور في أمر هام جدا وهو الموازنة العامة التي هي برنامج الحكومة السنوي والذي لا عمل للحكومة سواه، فان كافة القرارات التي أصدروها في أي موضوع تصبح باطلة وصادرة عن شخص غير مختص وغير مخول. الى جانب تعرضهم للمساءلة القانونية.
لقد إعتادت الحكومات المتعاقبة على إظهار الموازنة العامة بعجز مالي، واحيانا يتم اصطناع العجز للحصول على المساعدات من الدول الاخرى. ومن المعلوم أن تلك الدول لا تمنح الاردن تلك المساعدات لسواد عيونه. إن سمن المساعدات دائما مسموم بالمساومات والاذعان لارادة المانح ونقديم التنازلات له على حساب السيادة الوطنية. هذه هي طبيعة العلاقات الدولية، كما هي طبيعة العلاقات بين كثير من الافراد.
وربما يكون من المفيد أن أُشرك القراء معي في حادثة تمت قبل سنوات عديدة، وبطلها مدير عام دائرة الموازنة العامة السيد سامي قموه وكنت وقتها احد منظمي الموازنة العامة. لقد أظهرت الارقام النهائية في تلك السنة أن الايرادات العامة المحلية ستغطي النفقات المتكررة. لقد رأيت النشوة في عيني السيد قموه وهو يقول: علينا وعلى جميع المسؤولين أن نفخر ونرفع رؤوسنا عاليا لهذا الانجاز المميز، وأن نعمل جاهدين لتحقيق إنجاز أكبر وهو أن تغطي الايرادات المحلية كامل نفقات الموازنة العامة الجارية والرأسمالية وبذلك يتحقق الحلم الوطني الذي نتمكن فيه من "وضع صفر عند بند المساعدات الخارجية". كان ذلك الموقف بالنسبة لي ولزملائي درسا في الوطنية وترجمة للاخلاص في أداء الواجب من المستحيل أن ننساه.
إن ثلث اللوم فيما يجري، يقع على الحكومة، والثلثين الباقيين يقعان على السلطة التشريعية وخاصة مجلس النواب الذي وضعه الدستور كما اوضحت سابقا موضع صمام الامان. فحاسبوا نوابكم يا اردنيون..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :