كنا عصر يوم امس في حضرة شهداء معركة الكرامة، فافرحنا واحزننا ما شاهدنا. افرحنا اننا شاهدنا جهد القوات المسلحة التي نظمت الساحات وبنت صرحا ووفرت كفاءات تدير الحياة في المكان وتقدم صورة بانورامية بهية عن هذه المعركة المجيدة والكبيرة من أيام العرب. زينها حضور الملك وانصفها فاعاد حضوره تقديمها كما يجب التقديم في عيدها الذهبي.
كانت ذكرى مرور 50 سنة على النصر الذي تحقق على العبرانيين للمرة الثانية على هذه الأرض بعد نصر الملك المؤابي ميشع (المنقذ باللغة الفينيفية الكنعانية) الذي هزم اليهود العبرانيين عام 840 ق.م بفاصل زمني طويل هو 2618 سنة بين النصرين.
ابرز الدروس التي اكدتها وكرستها واثبتتها معركة الكرامة مجددا، هي ان الصهيونية ليست قدرا. وأنها قابلة للالتواء والانحناء والنكوص والهزيمة والذل والعار والكسيرة والجثامين.
ستسجل معركة الكرامة في تاريخ امتنا كواحدة من ايام العرب ومعاركهم البارزة الكبرى .وسنفاخر باننا من جيل معركة الكرامة وعصرها. وسنظل نعيد ونزيد انه ههنا توقفت الغزوة الصهيونية مرة أخرى. ههنا بطشنا بهم. ههنا انقلبوا على اعقابهم. ههنا طلب خضر شكري أبو درويش من نمور المدفعية السادسة ان يقصفوا موقعه الذي امتلأ بالدبابات والاليات والناقلات والغزاة. فكان الصيد الوفير والشهادة الخالدة.
بقينا طيلة الأعوام العشرين السابقة على معركة الكرامة نتلاوم ونقول اننا أبناء الهزيمة وها نحن نقول اليوم اننا أبناء النصر على هذا المشروع العدواني الكبير.
تحتفل الشعوب بمعاركها المجيدة ونحن نجد في موقعة الكرامة مآثر وبطولات تضاهي ما قدمته مدن وأماكن المقاومة الكبرى ضد الغزاة: القدس، عكا، الكرك، غزة، قلعة شقيف، ستالينغراد (فولغاغراد الان)، لينينغراد (سانت بطربرغ الان)، لندن، براغ و وارسو.
ما احزننا اننا حين تجولنا في بلدة الكرامة وجدنا بلدة مغبرة في غيابت الإهمال والنسيان. كان من حق المواطن الأردني أن يرى بلدة الكرامة، بلدة المقاومة والنصر في يوبيلها الذهبي، وقد تم بعثها من التهميش.
كان يجب ان تكون البلدة مسرحا مفتوحا واسعا تمسرح فيه المعركة وتفاصيلها الغنية وتعقد فيه الندوات العسكرية والسياسية وان تعمها الاحتفالات وان توزع فيها البومات صور الشهداء ونُبذٌ عن حياتهم وأن تعقد فيها حلقات الغناء الخاص بالكرامة والابطال وحلقات الدبكة التي تشارك فيها فرقنا الفنية المحترفة من الرمثا ومعان والطفيلة والمخيمات.
كان من حق المواطن الأردني وخاصة الطلبة، ان يلتقي مع ابطال الكرامة الاحياء ومع اسرهم واحفادهم وان يطلبوا تواقيعهم واخذ الصور معهم. كان يجب ان تصبح الكرامة مزارا. كما هو مزار شهداء مؤتة المحاط بالتبجيل والتوقير والمحبة والاعتزاز وأن تطلى جدران البلدة الخالدة بالألوان الزاهية والجداريات وترشم بالزهور.
كان يجب ان نجد ميداليات ودبابيس وتيشيرتات وطواقي تحمل شيئا من ذكرى الكرامة العظيمة. فارض المعركة كانت تتكلم وتنبض وتحتضن وتغني للشهداء.
ان ما شاهدناه في بلدة الكرامة، التي هب أهلها لعون قواتنا المسلحة والمقاومين الفلسطينيين، هو تقصير وطني، رسمي واهلي، مُخِلٌ محزنٌ بحق بلدة الكرامة التي تضوع ليل نهار منذ 50 عاما بعبق الشهادة والفداء والبطولات.
الدستور