عندما نقرأ التاريخ ونعاين الواقع
د.فايز الربيع
25-03-2018 01:10 PM
نقرأ في التاريخ ان بلقيس ملكة سبأ لا تقطع أمرا الا بالمشورة وان الزبّاء كانت اول من سك اسمها على العملة، وان جميلة وشقيلة كان لهما دورا في حضارة الانباط، ونقرأ أيضا ان بعض العرب تجرأوا على وأد بناتهم، وان حروبا قبلية ثارت اسمها حرب البسوس وحرب داعس والغبراء، وان هناك دارا اسمها الندوة، كان يجتمع فيها كبار قريش ويتشاورون في القضايا المهمّة وان حلفا اسمه الفضول تداعت فيه قريش ان لا يظلم في مكة احدا، كائنا من كان، ثم تتولى قريش الحجابة والرفادة والسقاية، فيأكل ويشرب كل من يحج الى مكة ويخلطون الماء والزبيب زيادة في الإكرام، ثم تنتهى الحروب القبلية وتتوحد القبائل في اتجاه هدف واحد، وتتحول القبائل الى أمّة، تبدأ بالانتشار وتأخذ المرأة دورها في فترة مبكرة، فتكون نهيك الأسدية، محتسبة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم على سوق المدينة، وتستمر في عهد عمر ويكون في يدها سوط تؤدب الخارجين على النظام العام، ثم تدوّن الدواوين، ويكون ديوان العطاء مسؤولا عن كل فرد في الدولة، يأخذ عطاؤه حتى المولود، ثم تصطف الأمة لتكون كلها تحت السلاح، لتتوجه نحو خارج الجزيرة العربية، ويبقى المسلمون دواوين الفرس والروم، بادارتهم القديمة، وبلغتهم الفارسية والرومية وعملتهم حتى سنة سبعين هجرية.
ويبدأ العطاء الحضاري بحيث تجد كل أمة ذاتها في هذه الحضارة الجديدة، ويكون الموالي والفرس والترك والديلم والبويهيون، جزءا من النسيج الحضاري بل الاجتماعي أيضا، وتصبح اللغة العربية لغة الحضارة التى لا بد لمن أراد الاستفادة من الحضارة الجديدة ان يتعلمها، فيرسل ملك السويد سبعة من الأميرات للدراسة في جامعات الأندلس، ويوصى برسالة محفوظة في الارشيف الإسباني الخليفة عبد الرحمن الناصر بإحاطتهن برعايته، في بلد، شوارعه مرصوفه ومضاءة، وحضارته تنتج مئات الآلاف من الكتب، مكتبة عبد الرحمن الناصر فيها ثلاثماية الف مجلد، ويصنع الورق، وتبنى الاساطيل ذاتيا بأسلحتها، ولا استيراد لاسلحة الجيوش، وتبقى مؤلفات المسلمين تدرس حتى القرن التاسع عشر في جامعات أوربا بما فيها فرنسا وبريطانيا.
هذا غيض من فيض في اطلالة سريعة على الماضي قبل الاسلام وبعده، إذن نحن أمة لها جذور وحضارة ولها مفتاح حضارة كان سببا في نهضتها الحضارية وقوتها العسكرية، وتماسكها الاجتماعي.
لنعاين الواقع، فنجد داحس والغبراء والبسوس قد رجعت لكن ليست بالسيوف وإنما بأفتك الأسلحة، نجد الأمة الواحدة قد تقسمت الى أقطار وامم كل يدافع عن قطره، وحتى القطر اصبح أمة، لنعاين الواقع فلا نستطيع النظر الى التلفاز لهول المناظر التى نراها، اللاجئون منا والمشردون منا، والفقراء منا، والقتلى منا، وعادت الغساسنة والمناذرة لتشكل احلافا لدى الفرس والروم، بدول اكبر أيضا (روسيا وأمريكا) ما شهدته دول الطوائف الذين كانوا يحاربون الإسبان نهارا ويتحاربون مع بعضهم ليلا، بأسنا بيننا شديد، اشداء على بَعضُنَا رحماء على أعداءنا مسؤوليتنا مشتركة حكاما ومحكومين، مثقفين وسياسين، ومواطنين عاديين، لا بد لحكماء الأمة ان يتنادوا ليس على مستوى قطر واحد وإنما على مستوى العالم العربي لإيقاف هذا التدهور الذى لم نشهد له مثيلا في أشد الظروف حلاكة.
نحن أمة فيها عمق ولها ثقافة، ولديها تجانس ديني ولغوي، ما يجمعها اكثر مما يفرقها، الا اذا أبقينا قرارنا مرهونا بيد اعدائنا الذين يهمهم الاجهاز علينا، لإن في وحدتنا وإيقاف تدهورنا ضررا في مصالحهم، هم يبحثون عن تقسيمنا وفرقتنا وضعفنا ونحن نساعدهم لمصالح ذاتية وآنية، لدينا المال والرجال، ان احسنا توظيفه لصالحنا حتى لا تبقى دار لقمان على حالها.