"كتبت هذه المقاله قبل اكثر من شهر من وفاة المرحوم الدكتور فهد الفانك . وقد أخر دفعها للنشر المناسبات والاحداث الوطنيه المحلية المتتالية . وانا ادفعها اليوم للنشر كما كتبت قبل وفاته وفاء لقامته وعطائه".
يوم صامت الجامعات الاردنية عن القول في الشأن الاقتصادي ، ومضت معظم ابحاث اساتذة الاقتصاد فيها بهدف النشر لغايات الترقيه كان الفانك يجول بقلمه الاقتصادي بدأب متواصل ومهنية عالية ظل عليها عابراً ما يزيد عن نصف قرن خاض فيها العمل الاعلامي بانواعه وان احتفظ لنفسه في النهاية بهوية الكاتب الاقتصادي ، وظل مميزاً بحضوره وبلغته الخاصة واسلوبه المميز وقلمه الرشيق .
مقالات الفانك كانت ولا تزال اهم ما ينتظره الجمهور القارىء المسيس كل يوم سواء من اختلف معه او وافقه الرأي .
سؤال لقاءاتهم الدائم هل قرأت / قرأتم ما كتبه الفانك اليوم ؟ او ما رأيك/ رأيكم في مقال الفانك اليوم ؟ مفترضاً صاحب السؤال ان اطلاع الجميع على مقالة الفانك اليوميه هي تحصيل حاصل .
مضى عقد من الزمن حتى نهاية الثمانينات وانا غير متفق مع الكثير مما يطرحه من افكار تخص الاقتصاد والسياسة والمجتمع ، وكنت ارى عنده ميلاً للاستفزاز غير مألوف . ومع ذلك كنت لا افوت مقالة واحدة له بل غالباً ما تكون مقالته فاتحة قراءتي للصحيفه . وكنت على استغراب من نفسي بين قلة اتفاق معه ومواظبتي على قراءة ما يكتب . لكن تقدم التجربة بما حمله لي من موضوعية ، مع ثمة فضل لما كان يعجبني من تحليلاته كشف لي انه كان مستفزاً (بكسر الفاء) قوياً للكثير مما املك من معلومات وافكار . والاستفزاز الموضوعي الايجابي وسيلة من وسائل الكاتب والصحفي الناجح للوصول الى الحقيقة التي يفترض ان ينشدها الجميع .
لم يكن الفانك شعبوياً او مجاملاً ان تحدث في السياسة او في الاقتصاد أو في ثقافة المجتمع . يقول ما يعتقد انه يجب ان يقال برأيه ولا يجامل في رأي او موقف يراه صحيحاً . يواجه لا يتخفى ولا يرمز ، يذهب الى ما يريد ان يصل اليه بشكل واضح ومباشر . كثيراً ما كان منتقداً للحكومة بينما الجمع يتسابق على استرضائها طمعاً في كسب ودها . وظل بعيداً عن آفة المجاملة التي لم يعرفها قلمه قط .
الشعبوية ظلت خصمه الاول . وحافظ على موقفه في انتقاد الشعبوية واخطاء الشارع بشجاعة اين منها الشجاعة في انتقاد الحكومة . الحكومة تنتقدها وتسخر منها وتسىء اليها احياناً وانت تعلم انك آمن بل ومرحب بك من الشارع حيث يسارع البعض الى تقليدك نوطات الشجاعة كما هو حالنا اليوم الذي نرجو له ان يصلح. اما انتقاد الشارع فيعرض صاحبه لكيل من الاتهامات التي تصل احياناً الى الاغتيال الشخصي والشيطنه .
لا احد ينافس الفانك على المركز الاول بين كتاب الصحافه . وفي الاقتصاد سوف يمضي زمن طويل حتى يخلفه في ادائه بعض من شبابنا الناهض .
نغص ونحن نتساءل دوماً ترى كم هو عدد اعلام الاردن في الاقتصاد والسياسه والاعلام والادب ؟ حتى لا نقول الفلسفه والفن التشكيلي والموسيقي والغناء والمسرح والسينما . هم بعدد اصابع اليد الواحده عندما يكونوا موجودين وفي احسن الاحوال بعدد اصابع الاثنتين . فماذا فعلنا لابراز مساهماتهم والاستفادة من عطائهم وتكريس دورهم كمرجعيات في مجالات اختصاصاتهم ؟