الثقافة الإعلامية كمنهاج جديد
رمزي الغزوي
25-03-2018 12:31 AM
لأننا بارودٌ محمصٌ، ولأن صدورنا براكين نزقةٌ، مثل صعقة برق أجّاجة، فقد تنبأتُ قبل بضع سنوات، أن نشهد جريمة قتل، في شوارعنا بسبب (جحرني) وأخواتها. وكم آلمني تحقق النبوءة الحمراء، عند إشارات طبربور في عمان، حينما قُتل إنسان لأنه (جحر) آخر سحب مسدسه بسرعة الضوء وأطلق.
لم يؤلمني في حادثة أبو نصير في الأسبوع قبل الماضي، أن المشاجرة كانت لسبب عظيم وهو: (جحرني)، أي نظر إليّ شزراً، أو بحلق بي بكامل العين. لم يؤلمني هذا، بقدر ما آلمني كيف أصبحنا نستمري لون الدم؟ ونتقبله؟ بل ونصوره لمواقع التواصل بكل انفصال وبرود.
حينما تحدق أكثر، ولن أقول (تجحر) أكثر بسبب المشكلة، ستجد أن الجاني وهو رجل في الرابعة والعشرين، كان (فزّيعا)، وقع تحت تأثير أدرنالين الفزعة؛ فارتكب جريمة يستحق أن يندم عليها عمرين أو أكثر.
الفزيع هرع بسيارته مدججا بمسدسه المحشو؛ نصرة لقريب له، قد جحرته عين فتى بالسادسة عشرة من عمره. وصل ودون أن يسأل: (الواو واو أيش)، وأطلق رصاصه على الرأس.
الجرم يا رجل لا يستحق مسدساً، ربما لو أنك استخدمت القنوة (الهراوة)، أو البلطة (سكين تقطيع اللحم) لكان الأمر أهون، ولكن الحمد لله، أننا لا نملك كأفراد طائرات مقاتلة ف16، أو قنابل نووية، أو جرثومية.
الفزعة في العرف الأردني للمشاجرات لا تعني إلا أن تهجم وتقتل بحماس وشراسة، دون أن تعرف من تقاتل؟ أو من هم الذين (طخختهم)؟. الفزعة أن تلغي كامل عقلك وإنسانيتك وتقتل أنساناً؛ لأنه (جحر) ابن عمك أو جوز خالتك. في أية غابة نحيا؟.
عقب واحدة من مشاجرات الجامعة الأردنية، أقسم لي شاب، أنه يستطيع بهاتفه أن يحشد إلى الجامعة 100 زلمة وأكثر، يكسرون ويضربون ويقتلون، دون أن يسأله أحد منهم: من نضرب؟ أو من نقتل؟ أو لماذا نطاوش؟. عندها دخلت في بكاء مرّ ما زال يفتك بي.
وسيبقى الأكثر ألماً، أن الفتي الغارق بدمه، لم يجد من الذين التفوا حوله إلا عدسات هواتفهم تبث دمه على الهواء مباشرة. ومن قبلُ كان المصاب بحادث سير أو مشاجرة، يُحمل بفزعة في أية سيارة مواتية إلى المستشفى. اليوم لا نفزع إلا بهواتفنا الذكية وحبنا للدم واستعذاب أوجاع الآخرين.
ألا يسال نفسه من صور الفتى أن له أماً أو أختا أو أخا سيشاهدونه بهذه الحالة. أين أخلاقنا وإنسانيتنا؟. أطالب وزارة التربية والتعليم، والتعليم العالي، ليس فقط بدراسة أسباب العنف ومعالجتها، بل بإدراج مادة (الثقافة الإعلامية)، كمنهاج جديد في مدارسنا، علنا نستطيع أن ننشئ جيلا يستطيع أن يتعامل بأخلاق مع فضاءات التواصل الجديدة.
الدستور