بالغتُ في الحب ورسمتُ في مخيلتي صوراً زاهية وتألمتُ أكثرَ مما يجب ... حتى أصبتُ بالخيبة... وما زالت بداخلي دَمعة وجرح وصرخة مكبوتة .. والألم ما زال غافياً وبكلمة يصحى من نومه .... كم هو مُوجع أن تَتصنّع التجَاهل، وَقلبَك يَتألم بصَمت.... وكم هو مؤلمٌ أن تضعَ كل أحلامك في شخص واحد...وان تجعله رحلة عمرك ووجهتها.... محزنٌ أن تتعود مسَّ الضُّر حتى تألفه، ويصبح جزءاً منك! سحقاً لواقع لا يوجد به احتواء صادق.
عندما ترى الأعذار أقبح من الذنب وتفشل في النسيان وأنتَ في الواقع لا تريد أن تنسى رغم ما يحمله التذكار من وجع... ما عليك سوى أن تحمل أمتعة كرامتك وترحل... فالنضج الذي وصلت اليه لا يسمح لك بالتورّط بعلاقات كاذبة وجدال أحمق، ولا يسمح لك بالبقاء في مكان لا تنتمي إليه، والذي لم يتعلّم من الصفعة الأولى فإنه يستحق الثانية!
قلبي ليس أسوداً، لكنني لا أريد أن أرى وجوهاً أساءت لي يوماً، ولأنني أصدَقُ مما يتوقعون ولأن الحياة لا تضحك كثيراً، فقد قررتُ أن أعالج ألمي بنفسي فحياتي لم تعد تتسع لمزيد من الناس الخطأ، العتبُ تعبٌ والتجاهلُ صدقة وأن المواقفَ على اختلافها ما هي إلا خريفُ العلاقات يتساقط منها المزيفون كأوراق الشجر.
اشتاقُ لنفسي القديمة التي لم تتوقع أن أكونَ أنا الشخصُ الذي أنا عليه الآن، اشتاق اليها رغم علمي أنها لن تعود، اشتاق لنفسي القديمة التي لا تحمل همّاً ولا تبالي لأي أمر في خارطة الحياة، شعور فوق إرادتي يداهمني وأنا في رأس هرم التباكي والتضاحك والتشاكي والتزاحم والتسابق.....،
اشتاقُ لنفسي القديمة كلّما تاقتْ الروحُ الى الفرح والضجيج العذب، كلّما طار بي الخيالُ إلى زمنٍ قد انقضى بالفعل ولكنّني أنتمي إليه بكل جوارحي، زمن لا مخاوف فيه، كلّ أيامه دافئة، كنتُ أرى كلّ شيء جديداً في ذلك الزمن! الأيام لها بهجة وكلُ الناسِ صادقون!
اشتاقُ لنفسي القديمة التي أحترمها، لتحسين مزاجي المتأرجح بين حالة وحالة! مزاجٌ لا يرغبُ بأي شيء، لا يهمُه أحدٌ ولا يسألُ عن أحد، أحاسيسٌ خاملة، روحٌ صاخبة، نفسٌ متعبة هدّها الألم، وبالٌ لم يعد يبالي!
اشتاقُ لنفسي القديمة لمعالجة حالات الملل والشعور بالوحدة والتخلّي، وأقومُ باستدعاء مواقف وأفعال وذكريات الماضي الطيبة بدفئها وعواطفها، فتُعطيَني جرعة المعنويات التي أحتاجها، وتكون مورداً نفسياً أهبط فيه لأستعيدَ حياتي وأشعرَ بقيمتي وأراها سبيلاً ناجحاً في صد موجات الاكتئاب العاتية ولو وقتياً ... وأشعر عندها أن نفسي القديمة كانت ذاتَ قيمة يوماً ما!
staani@uop.edu.jo