طالت لحيته وارتدى جبة ونظر في المرآة فتوهم علما" غزيرا" !!انطلق لمجلس أبي حنيفة فدخل وكان أبو حنيفة متكئا" فاستند للهيبة العلمية الموهومة. ضيفوه فأخذ ، فقيل له زد ، فقال: ( يكفوني ) فقال أبو حنيفة : كفاني منك يكفوني ! الآن يمد أبو حنيفة رجليه.
تنحنح ورقص بحركات بهلوانية ووزع الابتسامات على الحضور !! كيف لا ؟ وفي الحضور صبايا في مقتبل العمر ، يرمقنه بعيون فيها البريق والنشاط والشباب فنسي نفسه وراح يشطح بدغدغة العواطف وكأنه يقول للناس : شوفيني يا خالة ! في توهم واضح أنه داع ونسي النية التي هي أساس الأعمال.
صرخ على الهاتف وقال : لا تمكنوه من المنبر فهذا يسرح ويمرح ويتحدث خارج السياق الذي وضعناه ! إنه يغرد خارج السرب فنحن الوطن ونحن حماته وحراسه ! أما هذا فمتطرف . قيل انه ينفع الناس !! فقال المتوهم وقد انتفخت أوداجه : نحن أدرى بمصلحة الوطن .
قيل لهم ( الدين النصيحة ) ، قالوا متوهمين : نحن الذين ننصح ، نحن المنظرون ، نحن الذين نعرف لعبة الأمم ، ونرى النصر قاب قوسين أو أدنى !! فلما فتحت السجون قال لهم أديب مسجون لا يمارس التسحيج: الصيف ضيعت اللبن .
علا صوته وقال متوهما" ( أنا ربكم الأعلى ) ( ما رأيكم إلا ما أرى ) أنا الدولة والدولة أنا !! أنا نيقولا ميكيافللي ، أنا صانع الأمجاد ومؤدب العباد ، سأصنع لكم النهر العظيم ، فأنا ملك الملوك ستسقط الزعامات الا أنا وراح يتصرف بمال الناس يمينا" وشمالا" مرة لصاحب أخلاق سيس ، ومرة لثور ذي شعر ذهبي لا تشبعه المليارات !! وكله يسير في درب حب السلطة والكرسي الذي خاطبه قائلا" : كله في حبك يهون ! ونسي الواهم أن كثيرين سبقوه إلى المقعد نفسه فلم تلتصق مؤخراتهم به لأن الكرسي ينبذ الراغبين بالبقاء على طول لأنه يملهم قبل أن تملهم الشياه الحبيسة !! .
شفط وسحب فالسيجار يحتاج إلى عزيمة الأبطال الذين تتحلى رئاتهم بشيء من ( الهناء ) وهو لها ! كيف لا وقد ورث الأمر كابرا" عن كابر حتى لو كان الأداء دون علامة النجاح الجديدة في امتحان الثانوية العامة !! فأربعين علامة يمكن قطفها بروشيتة أو مسج على الخلوي . سهل أن تصل الأربعين بعطية لراغب أو وظيفة أو وكالة وليس من الوهم أن الأوطان تخدمها هذه الأشكال التي تعودت دماغها على المص والحلب لأنهم ورثوا ملعقة الذهب التي وجدوها مربوطة مع حبل سرة أبيهم.
الأوهام كثيرة والمتوهمون لا ينقطع وجودهم في كل زمان ومكان . اللهم أدم علينا نعمك وادفع عنا نقمك.