لم تكن عفوية، ولا هي في سياق الكلام، «التوبة» القطرية التي أطلقها أول من أمس رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، عندما قال: «تبنا لا جايبين حماس ولا جايبين نجاد.. توبة»، وكررها ثانية: «توبة».
ليست توبة فقط ولا نكتة، فالقطريون باتوا يشعرون بأن عليهم أن يعدوا للعشرة بعد تجربتهم المثيرة للجدل، للاختلاف والاتفاق، للإعجاب وللنقد.
قطر الدولة التي ينظر البعض إلى ضخامة طموحات قياداتها مقارنة بصغر مساحتها، وضعت نفسها في معدة كل الملفات العربية.
في الملف الفلسطيني، كانت السبّاقة لاحتواء قيادات حماس عندما أُخرجوا من الأردن، وسبقت السلطة الفلسطينية في التعامل مع إسرائيل، وإقامة ممثلية قطرية في تل أبيب ونظيرتها الإسرائيلية في الدوحة.
زيارات لا تنتهي، معلنة وغير معلنة، للقيادات الإسرائيلية إلى العاصمة القطرية للمشاركة في مهرجاناتها ومؤتمراتها العديدة، ومثلها للقيادات القطرية إلى تل أبيب.
في الملف اللبناني، كان اتفاق الدوحة طوق النجاة للفرقاء اللبنانيين، بعد أن احتل حزب الله بيروت في ساعات، وتأزم الموقف اللبناني إلى حدّ احتمالية عودة الحرب الأهلية.
في القضية السودانية، لم تترك قطر المتنازعين، بل استضافت جلسات ومؤتمرات عديدة لمصالحتهم، وحاولت أن تنزع فتيل الأزمة السودانية المستعرة منذ سنوات.
في اليمن، لم تترك الحوثيين، وقدمت المبادرات لوقف نزف الدم اليمني.
قطر تفعل كل شيء ببرغماتية عجيبة تثير الدهشة، تحتل موقعا متقدما في صف ما يسمى الممانعة العربية، فتغازل سورية ولبنان ومنظمات المقاومة، وتستضيف نجاد وتروّج لإيران، وفي ذات الوقت تحتل القواعد الأميركية مساحات كبيرة من الأرض القطرية.
تناكف السعودية، وتغيظ مصر، وتلاعب السلطة الفلسطينية، وتلعب بأعصاب الأردن، وحتى الدول الخليجية لا ترضى عن بعض سياساتها.
قطر في قمة الدوحة اليوم، ليست على وفاق مع مصر التي تتهمها بالإساءة إلى الموقف المصري خلال العدوان على غزة، عندما سمحت لقيادات في حماس وحزب الله بالتطاول عليها عبر قناة الجزيرة، ورغم الإنكار القطري الدائم بعدم السيطرة على قرارها فإن أحداً لا يفصل بين قطر والجزيرة، ويعتبرها العرب الذراع الإعلامية لقطر في مواجهة ومناكفة الخصوم.
كذلك تشتكي القاهرة من التدخل القطري في الموضوع الفلسطيني، وعرقلة المصالحة التي بذلت مصر جهودا كبيرة لإنجازها، وذلك من خلال الضغط على قيادة حماس لعدم الاستجابة للمصالحة التي ترعاها مصر.
قطر في قمة اليوم على خلاف مع الأردن، عندما سمحت قناة الجزيرة للصحافي محمد حسنين هيكل بالتطاول على رموز العائلة الحاكمة خلال الأيام الماضية، والتي لا تبعد كثيرا عن موعد قمة الدوحة.
قطر دولة لا يمكن أن تفهمها «صح» بمعايير «أنت مع أم ضد؟»، فهي كل هذا مجتمعة.
يبدو أن جملة أميرها في قمة غزة، عندما لم يكد النصاب يكتمل حتى ينقص، «حسبنا الله ونعم الوكيل»، والتي يقال إن الدكتور عزمي بشارة هو الذي صاغ هذا الخطاب، ويبدو أن جملة رئيس وزرائها «تبنا لا جايبين حماس ولا جايبين نجاد.. توبة توبة»، رسالتان إلى من يهمه الأمر بأن قطر ستعيد حساباتها مستقبلا.