في عام 2015، تم توقيع معاهدة باريس وتم تصديقها من قبل 174 دولة كنتاج عن مؤتمر قمة المناخ العالمي الحادي والعشرون. نصت المعاهدة على حد الاحترار العالمي عند 2 درجة مئوية فوق المعدلات السابقة للثورة الصناعية ودعت إلى بذل الجهول لتخفيض ذلك الحد أكثر، ولكن أثار الخبراء قلقًا بأن هذا غير كاف وذكروا أنه يجب علينا التحرك سريعًا وتنظيم الأنشطة البشرية لضمان عدم تجاوز حد 1.5 درجة.
ربما ما تزال مشكلة الاحتباس الحراري العالمي والتغير المناخي بعيدة عن مشاغلنا اليومية ومسؤولياتنا المتعبة كمواطنين ولكن ذلك سيتغير سريعًا ودراماتيكيًا مع تزايد انبعاثاتنا من الكربون. مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا هي مثال صارخ على السيناريوهات المستقبلية المتوقعة؛ تعاني المدينة من جفاف دام لثلاث سنين فاقمه تغير المناخ، الأمر الذي سيجعلها أول مدينة تنفد فيها المياه في العالم! حاليًا، تعيش كيب تاون في رعب من مصير محتوم حيث يُتوقع أن شهر تموز 2018 هو الشهر الذي سيحل به يوم الصفر الذي ستنفد فيه المياه وسيتم قطعها عن جميع أنحاء المدينة. في الوضع الراهن، عاد الناس إلى الطرق التقليدية القديمة حيث يذهبون لجمع المياه في قوارير من أماكن مخصصة ويصطفون في طوابير في مشهد يبدو وكأنه من أوائل القرن الماضي. من الجدير بالذكر أن كيب تاون هي أحد أكثر مدن أفريقيا تقدمًا وحضارة وكانت قد استضافت كأس العالم في 2010، ورغم كل ذلك حصل ما حصل، فلك أن تتخيل ما قد يحدث أن تكرر نفس السيناريو في أحد الدول الأقل تنظيمًا واستعدادًا كمعظم الدول العربية.
لقد قمنا بتسخين كوكبنا درجة مئوية واحدة إلى الآن وها نحن نرى المشاكل البيئية والكوارث الطبيعية في كل مكان حولنا، هل نريد اختبار الطبيعة وتسخين الكوكب أكثر من ذلك؟ تشير معظم الدراسات إلى أن هذا ليس في مصلحتنا مطلقًا في حين تؤكد الأرقام أننا ان استمررنا بضخ انبعاثات الغازات الدفيئة واحراق الوقود على نفس المعدل الحالي سنتسبب برفع حرارة الكوكب 3-4 درجات إضافية بحلول عام 2100. هنا تبرز أهمية معاهدة باريس، فبفضلها سنتمكن -وكلنا أمل- من تفادي ذلك ووقف الاحترار العالمي عند درجتين مئوية، ولكن يؤكد بعض الخبراء أنه حتى هذا الحد ليس كافيًا وعلينا أن نوقف ارتفاع حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئوية وليس 2. قد تتساءل، لم كل هذه الضجة؟ ماذا قد تفعل نصف درجة إضافية؟ الجواب هو: الكثير.
نصف درجة اضافية ستعني وصولنا إلى بعض نقاط اللارجعة والتي ان تم تجاوزها تُثار سلسلة من التفاعلات الطبيعية التي لا يمكن ايقافها؛ كصف من أحجار الدومينو. على سبيل المثال؛ إن رفع درجة الحرارة يقلل من ذائبية ثاني أكسيد الكربون والميثان في التربة والمحيطات مما يؤدي إلى خروج هذين الغازين واطلاقهما في الهواء، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى زيادة تركيز الغازات الدفيئة في الجو ومن ثم رفع درجة حرارة الأرض أكثر وأكثر وذوبان الأقطاب أكثر وأكثر ومن ثم إطلاق المزيد من الميثان وثاني أكسيد الكربون وهكذا تتفاقم المشكلة في حلقة مفرغة. يقدر الخبراء أن 50% من نقاط اللارجعة المحددة علميًا سيتم تجاوزها في حال وصلنا إلى درجتين من الاحترار.
نصف درجة إضافية ستودي بما يقرب من 100% من الأحواض والشعاب المرجانية في العالم بحلول 2050 مؤثرةً على الثروة السمكية وعلى القيمة السياحية لبعض البحار كالبحر الأحمر.
نصف درجة إضافية ستقلل الموارد المائية حتى 17% في مؤشر خطير لبلاد الوطن العربي حيث يقع كثير منها تحت خط الفقر المائي مما يثير الرهبة من تكرر قصة كيب تاون في أحد هذه البلاد.
نصف درجة اضافية تعني أيضًا تقلص محصول القمح العالمي حتى 16%. تقلص المحاصيل سيرفع أسعار الغذاء، فإن كان رفع سعر الخبز وغيره مؤخرًا في بعض البلاد هو نتاج سياسات حكومية قد تكون الرفعة التالية نتاج للتغير المناخي.
يدعونا جميع ذلك إلى إعادة التفكير في قراراتنا والتحرك جديًا تجاه بيئة نظيفة على المستوى الدولي حيث يمكننا تفادي أكثر من نصف الآثار آنفة الذكر بتقليل هدف حد الاحترار نصف درجة. الأرض تستغيث! وعلينا تلبية ذلك النداء إن أردنا ضمان مستقبل أفضل وآمن.
لتفادي تلك التصعيدات، يجب علينا الاستغناء الكامل عن الوقود الأحفوري والتحول للطاقة النظيفة حيث تعد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حلًا بديلًا ناجعًا جدًا، ثم إن كلفها في تناقص دائم رغم ازدياد الطلب عليها. بالإضافة إلى ذلك يقع التحول للطاقة النظيفة في صالح الشريحة الأكبر من الناس، يذكر تقرير “Low Carbon Monitor 2016” الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الانتقال للطاقة المتجددة سيخلق فرص عمل أكثر بـ68% من تلك الفرص المعتمدة على قطاع الوقود الأحفوري مما سيساهم في حل مشاكل البطالة. بالإضافة إلى ذلك، تذكر منظمة الطاقة العالمية أن التحول للطاقة النظيفة سيدعم الاقتصاد العالمي وسيوفر 13.5 تريليون دولار حتى 2050. الطاقة النظيفة هي الحل!
على الجانب الآخر، تشير التوقعات العددية المستقبلية إلى أن إيقاف الانبعاثات بالكامل والامتناع عن تلويث الهواء بالتحول للطاقة النظيفة قد لا يكون كافيًا وأننا بحاجة لتجاوز ذلك والقيام بتنظيف الهواء أيضًا عبر استخدام تقنيات هندسة المناخ إن أردنا التقليل من حدة التغير المناخي. ذلك يشمل تقنيات امتصاص ثاني أكسيد الكربون، ولكن تثير هذه التقنيات الكثير من الجدل والتعقيدات حول فعاليتها وجدواها حيث انه إلى الآن لم يتم التوصل إلى طريقة لتطبيقها على مستوى واسع وإنما طبقت على نطاقات ضيقة فقط.
للتغلب على هذه المعضلة تم اقتراح مجموعة حلول أخرى لتنظيف الهواء تعرف بالحلول الطبيعية للتغير المناخي. لعل من أشهر تلك الحلول هو إعادة زراعة الغابات بعد فقدان مساحات شاسعة منها نتيجة التوسع السكاني والزراعي، وهو ما سيساعد بامتصاص الكربون من الجو وتثبيته بالتربة بطريقة طبيعية وغير مكلفة على نقيض تكنولوجيا هندسة المناخ. لا تستهن بحل كهذا، يذكر مارك تيرسيك -مدير معهد المحافظة على الطبيعة- أن الحلول الطبيعية ستساهم بـ37% من تقليل الانبعاثات المطلوب للوصول إلى أهداف معاهدة باريس مما سيسهل العملية الانتقالية ومما سيغنينا عن تقنيات هندسة المناخ المكلفة غير الفوائد الجانبية الأخرى كمنع انجراف التربة وزيادة نقاء المياه العذبة.
لسوء الحظ، تشير الأرقام إلى أنه ليس لدينا الكثير من الوقت؛ يجب أن تبدأ انبعاثاتنا من الكربون بالتناقص في عام 2020 كحد أقصى لنتمكن من وصول هدف معادلة الانبعاثات تمامًا في 2050 وتحقيق معاهدة باريس وذلك سواء أردنا ابقاء الاحتباس عند حد 2 أو 1.5. إن أي تأخير في ذلك سيحمل الدول كلفًا إضافية وسيحمل الكوكب أعباءً إضافية، لذا في المرة القادمة التي تضع فيها المفتاح في مقود السيارة وأثناء سماعك لصوت المحرك يبدأ الدوران، تذكر أن هذه الرفاهية أتت مع ثمن باهظ سندفعه جميعًا وستدفعه الأجيال المتتالية إن لم نستدرك ذلك سريعًا.
ربما تكون محادثات المناخ وصناعة القرار في ذلك أمرًا أكبر منا ولكن الآثار المترتبة على هكذا محادثات تمسنا بالتأكيد، فقد يكون التعديل على الممارسات الفردية غير مجد كثيرًا مقارنة بتغيير سياسات الدول ولكن إن أصبحت الشعوب واعيةً تغيرت السياسات. لذلك شارك أصدقاءك وتحدث عن المناخ مع الجميع ولنجعل كوكبنا عظيمًا مرة أخرى!