على الحراكيين أن يتريثوا ويتثبتوا قبل أن تنطلق سهامهم
د. عادل يعقوب الشمايله
21-03-2018 09:12 AM
إن تمكن المواطنين من التعبير عن ارائهم وقضاياهم وتظلماتهم واوجاعهم ليس منحة من الحكومة بل هو حق مكفول بنص الماد 15/1 من الدستور " تكفل الدولة حرية الرأي ولكل أردني ان يعرب عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون."
ومن البدهي أنه لا يجوز للقانون الذي تصيغه الحكومة وتسنه السلطة التشريعية أن يبطل المبدأ العام للمادة الدستورية ونية المشرع. وفي نفس الوقت أعيد التأكيد على أنه لا يجوز أن يمارس حق أو واجب التعبير خبط عشواء، وذلك باطلاق سهام الغضب والانتقادات وتوجيه التهم والقاء المسؤولية في جميع الاتجاهات دون تثبت. حدوث ذلك يضعف من موقف الحراكيين ولا يوصلهم الى النتيجة المبتغاة، بل إنه يساعد المسؤولين عن التقصير أو الفساد بشتى أشكاله على الافلات من المساءلة الناجزة وتحقيق العدالة للمجتمع والاختباء بالظل كما هو معتاد مما يجعل الناس يطاردون اشباحا. لقد عبر الملك بكل وضوح خلال زيارته لكلية الدراسات الدولية في الجامعة الاردنية قبل حوالي شهرين أن على الشعب أن يتحرك ويضغط على الحكومة ومجلس النواب. ولم تترك كلمات الملك أدنى شك لدى من شاهد حواره مع طلاب الجامعة أنه غير راض عن اداء الحكومات ولا عن اداء مجلس الامة. تعبير الملك عن حالة عدم الرضا ليست المرة الاولى. كما أن الاوراق النقاشية التي طرحها هي اوراق حراكية. ولكن الحكومات المتعاقبة تضع في أحد أذنيها طينا وفي الاخرى عجين لان المناصب الحكومية العليا تعتبر غنائم غزو بين قبائل .
إنني كمواطن أوئيد من حيث المبدأ حق المواطنيين وحق الحراكيين بالتعبير عن أرائهم ولكن "بشرط" أن يمارس التعبير بطرق سلمية وحضارية. فالغاية لا تبرر دائما الوسيلة. بل إنني أجزم بأن، تعبير المواطنين والحراكيين عن أرائهم ليس مجرد حق فحسب، بل يرتقي الى مستوى الواجب عند توفر أحد الشرطين التاليين أو كليهما:
اولا: غياب مجلس النواب الفعلي أو العملي. وبشكل أوضح في حال أن يكون مجلس النواب منحلا، أو إحجامه عن ممارسة واجبه الدستوري.
ثانيا : إمتناع وسائل الاعلام عن إتاحة الفرص للمواطنين للتعبير عن أرائهم ومشاكلهم وقضاياهم، أو نقلها عنهم لصاحب القرار بصورة مشوشة أو مزورة، خاصة في الحالات التي تنتهك فيها الحكومة والسلطة التشريعية ما نص عليه الدستور. ومن الامثلة على الانتهاكات مخالفة نص المادة 6/1 "الاردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات". والمادة 6/3 " تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود امكاناتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الاردنيين". وتتفق نسبة عالية من الاردنيين على أن هذين النصين قد تم مخالفتهما من قبل الحكومات والمجالس التشريعية المتعاقبة.
وليسمح لي السادة الحراكيون في شتى مناطق الاردن أن أستعين بالدستور الاردني لاقدم وجبة من النصائح لهم، وخاصة الغيورين منهم على مصلحة وطنهم وليس صيادي الفتن واصحاب الاجندات الخفية المندسين بينهم ليؤججوا النيران المجنونة.
1- تنص المادة 24 من الدستور الاردني على أن الامة مصدر السلطات، وتمارس الامة سلطاتها على الوجه المبين في الدستور.
إذن الامة بمجموعها تمارس السلطة إضافة الى أنها مصدرها. ومن المقرر في علمي الادارة والسياسة أن مقابل كل سلطة تترتب مسؤولية. عندما ينتخب الشعب اعضاء مجلس النواب واعضاء المجالس البلدية، اليس ذلك ممارسة للسلطة؟ ولكن عندما يسئ الشعب الاختيار مرة تلو الاخرى، ولا يتعظ من كافة تجاربه، الا يعتبر مسؤولا عما يشكو منه؟ لو أحسن الشعب إختيار ممثليه في مجلس النواب ومجالس البلديات وتجنب العصبيات العائلية والعقائدية سواءا كانت يمينية أو يسارية، واختار اشخاصا يتسمون بالاخلاص للوطن وتتوفر فيهم الكفاءة والنزاهة حسب المعايير والشروط الموضوعية، وعدم التعصب واعطاء منتسبي الاحزاب "اذا ما تقلصت في عددها الى حزبين او ثلاثة فقط واصبحت احزابا برامجية بحق وليس احزابا عائلية أو شللية"، إعاطائهم الاولوية على ابن القبيلة وعلى تجار الاصوات " باموال منهوبة من الناخبين اصلا"، لجنب الشعب نفسه معظم المعاناة التي تستنكرونها كحراكيين
أما وقد انتخب الشعب من انتخب، فلماذا لا يحاسب هؤلاء الذين يزعمون انهم ممثليه ويتمتعون بالامتيازات الناجمة عن ذلك، ولماذ لا يحاصرهم في كل مناسبة ويقعد لهم في كل مرصد ، ويساءلهم عن عدم إستخدام السلطات والادوات التي أعطاهم إياها الدستور، والا مما معنى وما ضرورة النص الدستوري الذي أشرت اليها سابقا " الامة مصدر السلطات، وتمارس الامة سلطاتها على الوجه المبين في الدستور".
إذن ما فائدة تشتيت الاتهامات بدلا من أن يوجهها الشعب لنفسه ويوجهها الحراكيون للشعب ولانفسهم لانهم لم يقوموا بتوعية المواطنين وحضهم على حسن الانتخاب.
2- تنص المادة 26 على : " تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزراءه وفق احكام الدستور".
3- تنص المادة 49 من الدستور على : " أوامر الملك الشفوية أو الخطية لا تخلي الوزراء من مسؤولياتهم".
4- تنص المادة 47 /1 من الدستور على : " الوزير مسؤول عن إدارة جميع الشؤون المتعلقة بوزارته".
مما سبق يتضح أن المسؤولية تقع ثانيا على عاتق الوزراء. وبالتالي فإن رفع سقف الانتقادات عن مستوى الوزراء بمن فيهم رئيسهم، لا أقول أنه "غير جائز" حتى لا أتهم بالنفاق أو الوجل، ولكن "لا مبرر له ولا يمكن إثباته".
فعلى الرغم من أن الملك هو رئيس السلطة التنفيذية التي تتخذ القرارات ، الا أن الملك لا يحكم مباشرة. الذي يتخذ القرارات فعليا هم الوزراء وليس الملك. ويمكن التأكد من صحة ما أقول، بمراجعة أي قرار يصدر في أي وزارة من الوزارات، لنجد أن الموقع عليه هو الوزير.
وعلى فرض أن الملك هو من أمر الوزير أو الوزراء باتخاذ قرار ما، فإن الدستور قد بين أن أوامر الملك الشفوية أو الخطية لا تعفي الوزراء من مسؤولياتهم، وبناءا على هذه الوقائع القانونية المنصوص عليها في أعلى مصدر تشريعي، لا يستطيع أي وزير أن يتهرب من المسؤولية زاعما أنه نفذ أوامر الملك. فمن ناحية يستطيع الوزير أن يعتذر عن تنفيذ الامر الموجه اليه مبينا الاسباب القانونية والنتائج المترتبة على تنفيذ الامر، واذا ما أصر الملك، يستطيع الوزير أن يقدم استقالته. وهناك حالات كثيرة تم الاعتذار فيها عن تنفيذ أوامر الملك ولم يقطع رأس أي وزير ولم يسجن.
لكن من ناحية اخرى نريد مثالا واحدا على وزير امتلك الجرأة وقدم مصلحة الوطن على امتيازاته الشخصية الانانية واستقال من منصبه لانه لا يريد أن يتخذ قرارا مخالفا للدستور أو مخالفا لضميره كما يحدث في معظم الدول المتحضرة. الحكمة من النص الدستوري بعدم اعفاء الوزراء من مسؤوليتهم عن تنفيذ اوامر الملك الشفوية أو الخطية، هي أن الوزراء هم اصحاب الاختصاص كل في مجاله، وتتوفر لديهم البيانات والحيثيات، وبالتالي فان من واجبهم الوطني، وترجمة لاخلاصهم لرئيسهم وهو الملك أن لا ينفذوا التوجيهات والاوامر التي لا تخدم المصلحة العامة. أما وأن معظم الوزراء ليسوا من اصحاب الاختصاص، وأن مجالس الوزراء ومجالس النواب والاعيان والمجالس البلدية ما هي الا مجالس "ممثلي القبائل" فإن النتيجة هي كل مظاهر الترهل والفساد والمحسوبية وتراجع مستوى الخدمات الحكومية وتوارث المناصب والقفز من منصب الى اخر
5- تنص المادة 48 من الدستور: "يوقع رئيس الوزراء والوزراء قرارات مجلس الوزراء وترفع هذه القرارات الى الملك للتصديق عليها في الاحوال التي ينص عليها الدستور أو أي قانون او نظام وضع بمقتضاه على وجوب ذلك". معنى ذلك أن مجلس الوزراء ليس ملزما برفع جميع قراراته للملك للتصديق عليها. هذه المادة تعطي مجلس الوزراء مساحة واسعة من حرية التصرف في معظم الشؤون. ويمكنني التأكيد على أن القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء ولا تعرض على الملك تعد بالالاف.
من ناحية اخرى، فإن الدستور خصص سلطة للتشريع تتكون من مجلسين هما مجلس النواب المنتخب ومجلس الاعيان. وأعطى الدستور بموجب المادة 51 لمجلس النواب خصوصا واجب وليس فقط حق مراقبة أداء الحكومة بجميع قراراتها وتوجهاتها ومساءلتها بصورة جماعية او كل وزير على انفراد. كما أعطى الدستور لمجلس النواب حق سحب الثقة من الحكومة ومن أي وزير من الوزراء. وعلينا أن نتذكر ما ورد في المادة رقم 1 من الدستور:
"... ونظام الحكم في الاردن نيابي ملكي.. ". نيابي ملكي.
إن الدارس المتمعن والمنصف، لا بد وأن يجد، أن الدستور لم يطلق يد الملك ليفعل ما يشاء واستطيع أن اشير الى العديد من مواد الدستور التي تثبت ذلك. ولكن لضيق المكان اكتفي بالمثال التالي: نصت المادة 93/1 من الدستور: "كل مشروع قانون أقره مجلسا الاعيان والنواب يرفع الى الملك للتصديق عليه". ولكن، تنص المادة 93/3 " اذا لم يرد الملك التصديق على القانون فله في غضون ستة اشهر من تاريخ رفعه اليه أن يرده الى المجلس مشفوعا ببيان أسباب عدم التصديق". اذا حرية الملك ليست مطلقة في عدم التصديق على التشريع المرفوع اليه. فعليه بموجب الدستور أن يبين الاسباب. الامر ليس مسألة مزاج او دكتاتورية.
ومما يدلل على ذلك ما تنص عليه المادة 93/4 " اذا رد مشروع أي قانون ( ما عدا الدستور) خلال المدة المبينة في الفقرة السابقة وأقره مجلسا الاعيان والنواب مرة ثانية بموافقة ثلثي الاعضاء. . . وجب عندئذ اصداره، وفي حالة عدم اعادة القانون مصدقا "من الملك" في المدة المعينة... يعتبر نافذا وبحكم المصدق".
أيها الحراكيون، أيها المواطنون: النواب والاعيان والوزراء أبنائكم، ومن بينكم. هؤلاء الذين تتسابقون وتصطفون على أبواب منازلهم او مكاتبهم لتهنئتهم كلما تقلد أحدهم منصبا، لا بل كلما إنتقل من منصب كان قد عاث فيه تقصيرا و/ أو فسادا الى منصب اخر، وتتفاخرون انكم فزتم بشرف مصافحتهم وتهنئتهم. الا تدركون أن قيامكم بتهنئة المسؤول الذي سبق وأن تولى منصبا وزاريا أو كان عضوا في مجلس النواب أو مجلس الاعيان، إنما هو إعطاء الثقة له ومسامحته عن اخطائه وتقصيره، وكذلك تحريره من مسؤوليته التضامنية عن القرارات التي أصدرتها المجالس التي كان ينتمي لها ولم يثبت أنه اعترض عليها. حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، ثم " قفوهم إنهم مسؤولون". ولا تفسحوا لهم صدر كل مجلس ولا ترأسوهم جاهاتكم ولا تحولوا صواوين عزائهم اذا انقرضوا الى معابد. إن حالة ازدواج الشخصية عند الكثيرين من أبناء الشعب الاردني المتمثلة بالانتقاد الحاد لكبار السياسيين والمسؤوليين والهتاف ضدهم في مواقع الحراكات وفي الجلسات الخاصة، وبالمقابل المبالغة في التزلف والنفاق لهم اذا التقوهم وجها لوجه في أي مناسبة. ألا يعد ذلك تقصيرا من قبل الشعب "الامة" في إستعمال السلطة التي نصت عليها المادة 24 من الدستور؟ من يحاسب الشعب على هذا التقصير؟ إنها مسؤوليتكم ايها الحراكيون الافاضل.