ليس جديدا القول ان الفقراء غرباء في عقر اوطانهم، لكن ما طرأ على هذا العالم من محاصيل الرأسمال المتوحش ضاعف من الغربة، واحدث فراغا روحيا لا يملأه غير المزيد من سيلان اللعاب على ما في ايدي الاخرين، وربما كان كتاب اريك فروم بعنوان « ان تملك او ان تكون « الوثيقة الدامغة لهذا العصر، لهذا كان عنوان الكتاب بالغ الدلالة لأنه يذكر القارىء بالعبارة الشكسبيرية ان تكون او لا تكون تلك هي المسألة، والمال اصبح في عصرنا بديل الكينونة، من يمتلكه يتوهم بانه امتلك الوجود ومصائر الاخرين، وربما لهذا السبب تراجعت الروادع والكوابح الذاتية، وحلّ الخوف مكان الخجل.
ويبدو ان لكل عصر تعريفاته الخاصة للظواهر الاجتماعية والسياسية ومنها الفقر؛ فالفقر الان ليس كما كان قبل قرن، واذا كان للثراء مراتب ودرجات فإن للفقر ايضا مستويات، والثراء الفاحش هو الذي ينتج الفقر المدقع، وحين تتسع الفجوة بين البشر يصبح السلم الاهلي في خطر؛ لأن الفقراء تعلموا من ربهم ان يمهلوا ولا يهملوا لذلك كانت اقسى الثورات في التاريخ هي ثورات الجياع؛ لأنهم يأتون على الاخضر واليابس.
واذكر انني كنت ذات مساء قاهري بصحبة الصديق الشاعر احمد فؤاد نجم في زيارة رجل اعمال في بيته الاشبه بقصر، وحين شاهد نجم ما لم يشاهده من قبل همس باذني قائلا ان الجياع اذا اندلعوا من القمقم سوف يأكلون خشب هذه المقاعد والموائد الانيقة ظنا منهم انها بسكويت لفرط رقتها واناقتها !
كم تغير العالم، ولم يتحد عماله بل تحاربوا لصالح اصحاب المال، ولم يتحد الفقراء بل تنابذوا وتنافسوا على حراسة اموال سادتهم الاثرياء.
وها نحن نسمع ونشاهد على مدار الساعة فقها يبشر به السماسرة وتجار الدم والسلاح، لا يبرر الفقر فقط بل يحوله الى مطلب قومي وانساني!!.
الدستور