أشار جلالة الملك أثناء لقائه مع طلبة الجامعة الأردنية منذ بضعة أسابيع أن البدء بتطبيق اللامركزية وانتخاب مجالس المحافظات سيوثر على النواب لأن نقل القوة لتصبح على مستوى البلدية سيتطلب وجود عدد أقل من النواب، مضيفا جلالته أن النائب في المستقبل يجب أن يكون نائب وطن، وهذا يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد خفض عدد مجلس النواب من 130 إلى 80.
وقد أحسنت كتلة مبادرة النيابية صنعا عندما أعلنت أخيراً على لسان رئيستها النائب وفاء بني مصطفى أنها ستدفع باتجاه تقديم تصور سياسي مقترن بمشروع قانون انتخاب جديد، فمن الضروري أن تكون هناك مساهمة من كل القوى والفعاليات السياسية لتقديم الرؤى والطروحات الكفيلة بولادة قانون إنتخاب جديد يستلهم دروس المرحلة السابقة ويسهم في تحصين الوطن ضد التحديات القادمة.
وقد تحدث كثيرون عن محاسن تخفيض عدد مجلس النواب إلى 80 عضوا ( والأعيان إلى 40) ليس فقط من حيث ترشيد النفقات ولكن أيضا من زاوية إعطاء مجالس المحافظات الدور المناط بها في مجال تقديم الخدمات للمواطنين على المستوى المحلي والخدمي، وهي المهمة التي تأخذ وقتا كبيرا من وقت مجلس النواب بوضعه الحالي.
إننا إذا أمام واقع سياسي جديد وواعد، ومن الضروري اتخاذ كل مايلزم من إجراءات لإنجاح هذه المقاربات الجديدة وتمكين وطننا الحبيب من مواجهة التحديات الماثلة في الإقليم والعواصف التي تتجمع في محيطه.
لقد كررنا في السابق مقولة النائب الذي نريد، ولكننا تجاهلنا السؤال الأخطر الذي يجب أن يسبق هذا السؤال وهو: ماهي طبيعة الناخب الذي نريد؟ وهذا هو مربط الفرس، فإذا ماأدرك الناخب دوره وقام به خير قيام، فإن المخرجات التي ستبنى على ذلك ستكون إيجابية وستسهم تلقائيا في الإرتقاء بنوعية النائب.
إن المطلوب هو تشجيع وجود الناخب الواعي المنحاز لمصلحة الوطن قبل أي مصلحة أخرى. ومطلوب أيضا أن يدرك الناخب أهمية وقوة صوته، وأن قرار انتخاب مرشح معين في الإنتخابات النيابية لايستند الى معايير إرضاء شخص او أشخاص ، فقد سلك كثيرون هذا الدرب وانتخبوا نوابا في كثير من المجالس النيابية بناء على معايير المعرفة أو العلاقة الشخصية ولكنهم سرعان ماندموا ساعة لاينفع الندم.
ولا أبالغ إذا قلت إن الناخب الواعي هو اللبنة الأولى للإصلاح السياسي، فلايمكن أن يصل إلى القبة نائب ضعيف أو معني بخدمة مصالحه فقط أو مستعد للتخلي عمن انتخبوه عند أول منعطف إذا كان الناخب محصنا بالوعي وبالإدراك الكامل لأهمية دوره.
ولاشك أن الناخب الواعي سيقوم باختيار النواب الذين يتمتعون بالإحترام والمشهود لهم بالنزاهة والخبرة على الصعيد الوطني ، خصوصا وأن بدء تطبيق اللامركزية وضع حدا لإمكانية إنتخاب نواب الدوائر الصغيرة التي لايعرفهم أحد خارجها ، فمن سيكون تحت القبة من الأن فصاعدا هم حتما نواب الوطن ممن لهم مكانتهم وتقديرهم في كل محافظات المملكة.
ولكن هذا لايمكن أن يحدث من تلقاء نفسه ، إذ يجب أن تسبقه بعض الخطوات وعلى راسها سن قانون انتخاب عصري يتوقف طويلا عند مواصفات النائب الذي تنطبق عليه شروط الترشح للإنتخاب، إضافة إلى نظام تقسيم الدوائر الإنتخابية يتجاوز الدوائر الصغيرة الحالية إلى الدوائر الكبيرة التي من شأنها أن تفرز نوابا يتمتعون بحضور وطني وسيرة طيبة ومسار مهني لايمكن الطعن به.
ويجب أن يكون للأحزاب دور أساس في العملية الإنتخابية المقبلة. ولايمكن أن يحدث هذا إذا اكتفينا بمراقبة عملية زيادة وتفريخ المزيد من الأحزاب وإعتبار ذلك إنجازا، مع أن برامج كثير من الأحزاب تتشابه إلى درجة التطابق في كثير من الأحيان. ولعل أول مايجب أن تفعله الأحزاب – إذا ما أرادت أن يكون لها حضور في الإنتخابات النيابية المقبلة – هو أن تتكتل أو تندمج وتغيّب أو تذوب الأنا لإمنائها العامين. وهنا أيضا سيلعب الناخب الواعي دورا كبيرا في تمكين الكتل الحزبية ذات البرامج القوية والمدروسة والتي تقدم حلولا للمشاكل التي يعاني منها المجتمع من الفوز في الإنتخابات.
نحن أمام مرحلة جديدة واعدة، ويجب أن نعد لها العدة، وأول مايجب أن يتم الإنتباه له هوالبدء من الأن بتوعية الناخب بدوره وحقوقه ومسؤولياته. فإذا مانجحنا في ذلك، فإن الخطوات اللاحقة تصبح كلها سهلة وميسرة.
الرأي