سعد الإعلاميون كثيرا قبل عامين ونيف حين اعلن عن مبادرة طموحة لتأسيس معهد الإعلام الأردني, ليمنح درجة ماجستير في الإعلام طبقا لأفضل المناهج النظرية والتطبيقية المتبعة حول العالم بما فيها منهاج جامعة كولومبيا العريقة في نيويورك.
سجل المعهد التعليمي كمؤسسة خاصة غير ربحية محدودة المسؤولية وحصل على منح وتبرعات من الاتحاد الاوروبي, الحكومة البريطانية والكندية وغيرها. ونال أيضا دعم مؤسسة تدريب إعلامي دولية.
في غمرة بناء مداميك المعهد, شكّل مجلس إدارة يضم نخبة إعلاميين وإعلاميات برئاسة د. نبيل الشريف, رئيس تحرير صحيفة الدستور قبل أن يعين وزير دولة لشؤون الإعلام والاتصال في التعديل الأول الذي أجراه المهندس نادر الذهبي على حكومته قبل شهر تقريبا.
عمل مجلس إدارة المعهد والإداريون فيه بصمت مطبق لبلورة ملامح المشروع الإقليمي, وإعداد مناهج تدريسية ابتكارية وتعريب أفضل الممارسات الإعلامية في الغرب للمساعدة على مواجهة تحديات الإنتاج الإعلامي في العالم العربي, بحسب القائمين عليه. وهكذا جهّزت لائحة بأسماء أفضل الأساتذة الأجانب بمن فيهم من أصول عربية, ليدرسوا في المعهد الوليد. وحصل على اعتماد من وزير التعليم العالي على أن تصدر شهادته بالتشارك مع الجامعة الأردنية. وينتظر أن يفتح المعهد أبوابه أمام الطلبة مطلع السنة الدراسية في أيلول .2009
لكن فجأة, ومن دون أي مقدمات, بدأ الوسط الصحافي يسمع بأن معهد الإعلام الأردني "قيد التأسيس" سيعهد إليه إدارة مشروع التدريب الاعلامي الوطني, الذي أعلن عنه جلالة الملك عبدالله الثاني خلال لقاء مع نقيب الصحافيين عبد الوهاب الزغيلات الصيف الماضي. في نفس الاجتماع أعلن عن تبرع ملكي سخي يبدأ بمليون دينار للمساعدة على تأسيس معهد تابع للنقابة.
ثم تقرر منح مبنى المجلس الأعلى للإعلام الذي صدر قرار بإعدامه قبل شهور بما يحوي من تجهيزات حديثة تضم استوديوهات للتدريب التلفزيوني والإذاعي ومختبر الحاسوب, إلى معهد الإعلام الأردني.
اختير المعهد دون سواه - مع أن في الأردن عددا آخر من منظمات تدريب إعلامي عاملة منذ سنوات ومسجلة كشركات خاصة محدودة المسؤولية, شرعت منذ سنوات في إعادة تأهيل صحافيين محليين وعرب.
أعطي مبنى المجلس الأعلى للإعلام لقاء إيجار سنوي "رمزي" أصر عليه معهد الإعلام الأردني "لضمان استقلاليته الكاملة", بحسب أعضاء في مجلس الإدارة.
وبذلك سحب البساط من تحت أقدام نقابة الصحافيين التي وقعت ضحية انشغال المراجع العليا بـ حال الشد السياسي الصيف الماضي بين ما سمي بمدرستي "الليبرالية الاقتصادية" و"الوطنية الإصلاحية" قبل أن يخرج الملك عبد الله الثاني رموزها من العمل العام.
كانت النقابة, وبحسب الزغيلات, رفعت للديوان الملكي واستكمالا للمبادرة الملكية, نظاما مقترحا أقره مجلس النقابة كـ "نظام صندوق تدريب الصحافيين صادر بالاستناد إلى المادة (58) من قانون نقابة الصحافيين رقم (15) لسنة .1998 أقره مجلس النقابة.
كذلك قدمت النقابة تصورها لطريقة عمل المركز عبر تشكيل لجنة من خمسة أعضاء للإشراف على صندوق التدريب. في خطوة إستباقية لمواجهة تحفظات العالم استعملت ضد النقابة, سمحت البنود القانونية للمركز المأمول بتوفير "خدمات وطنية وعربية ودولية من المدربين", بحسب مشروع النظام. وسمح أيضا بتلقي "التبرعات والهبات والمساعدات وسائر الموارد الخارجية التي يوافق مجلس الوزراء على قبولها" - وفي ذلك نقطة تحول ايجابي جديدة بعد عقود من العيش داخل عقلية "بعبع التمويل الأجنبي".
وأفهم الرئيس نادر الذهبي النقيب زغيلات قبل شهور أن مبنى المجلس الأعلى للإعلام سيؤول إلى نقابة الصحافيين لتأسيس معهد التدريب الإعلامي, علما أن وكالة الأنباء »بترا« كانت أيضا تطمح الى امتلاك المبنى ذاته لغايات توسعة مركزها التدريبي الحالي.
قبل أيام التقى الزغيلات وأعضاء مجلس النقابة مع الذهبي على أمل احتواء المشكلة. الحكومة تشجع النقابة "على الاجتماع معهم »معهد الأعلام الأردني« للتفاهم حول المشروع تحت مظلتهم".
اليوم, يبدو لغالبية العاملين في قطاع الإعلام أن الأمور وصلت إلى طريق مسدودة لصالح معهد الإعلام الأردني الذي أنيطت به حصرا إدارة جسم المجلس الأعلى وتدريب الصحافيين من دون استشارة النقابة, ولو من باب المجاملة.
الزغيلات أكد في مقابلة مع كاتبة المقال قبل أيام أنه "لا يقبل إلا بمركز تدريب مستقل لنقابة الصحافيين". وتابع قائلا انه "لا يقبل بشراكة مع أي جهة لأن النقابة هي مظلة الصحافيين في الأردن". وبعد سنوات من شكاوى منظمات إعلامية محلية وصحافيين من شروط العضوية في النقابة لصالح الإبقاء على سيطرة لون واحد, قال الزغيلات إن النقابة بصدد تغيير الشروط لقبول أكبر عدد ممكن من الإعلاميين العاملين في المملكة.
ويقر النقيب كما أعضاء النقابة بأنها بعد مرور أكثر من نصف قرن على تأسيسها قصّرت في التدريب, خاصة مع ازدياد عدد الصحف اليومية والأسبوعية منذ تسعينيات القرن الماضي قبل أن تنتشر الإذاعات الخاصة والمواقع الاخبارية الالكترونية. وتقر النقابة بأن هناك الكثير من الخريجين والقادمين الجدد لعالم الصحافة لم يتلقوا تدريبات تؤهلهم لدخول هذه المهنة, كما أن المؤسسات الصحافية القائمة لم تستثمر في التدريب المستمر لموظفيها.
لكن الزغيلات يؤكد انه في حال أصرت الحكومة على تنفيذ مشروع التدريب الوطني الإعلامي عبر معهد الإعلام الأردني, فأن "لا مشكله لدى النقابة في أن تعمل مشروع تدريب منفرد" يمول من خلال العوائد السنوية التي تتلقاها النقابة بما فيها نسبة الواحد في المئة التي توفرها إعلانات الصحف ومصادر أخرى.
بدأ معهد الإعلام الأردني استعداداته لإطلاق مشروع التدريب الإعلامي الوطني خلال شهرين, بحسب القائمين عليه, حيث يتم تجهيز قوائم بأسماء مدربين أجانب وعرب وأردنيين.
وبين إصرار نقابة الصحافيين ومعهد الإعلام الأردني على المضي قدما في تنفيذ التدريب من خلال مشروع وطني أحادي الإدارة, تدور في الوسط الإعلامي مخاوف تتعلق بضرورة أن لا يكون التدريب الإعلامي حكرا على جهة واحدة. وهناك أسئلة مشروعة حول التحركات من خلف الكواليس لصالح معهد الإعلام الأردني والأسس التي سيعتمدها في إدارة التبرع الملكي? ومن هم الفئات الإعلامية المستهدفة في التدريب وآلية الاختيار? وكيف سيتعامل المعهد في حال أصرت الصحف ووسائل الإعلام الرسمية وشبه الحكومية على أخذ موقف سلبي من هذا التدريب?
وهناك أسئلة أخرى بالغة الأهمية تتعلق بالمعايير التي اعتمد عليها قرار إقحام معهد لم يفتح أبوابه بعد للجمهور في مشروع تدريب وطني بهذا الحجم والأهمية? هناك من يسأل لماذا لا يتم تأسيس هيئة ملكية للتدريب الإعلامي, أو مفوضية لشؤون الإعلام, أو لجنة وطنية لتطوير الإعلام تشرف على مشروع التدريب في مقر المجلس الأعلى للإعلام تحت مظلة النقابة تضم ممثلين عن الإعلام المرئي والمسموع والمقروء والالكتروني, ومندوبين عن معهد الإعلام الاردني وكلية الإعلام في جامعتي اليرموك والبتراء, ومنظمات أهلية غير ربحية قائمة منذ سنوات وتعمل على التدريب الإعلامي وتمتلك أسس تسجيل مشابهة لمعهد الإعلام الأردني?
ولماذا لا يتاح المجال أمام الجميع للتشارك بهدف إنجاح مشروع تدريب وطني بدلا من الإبقاء على معادلة قائمة تعمق شعورا إقصائيا للشركاء كافة من مدربين ومتلقين وتفتقر إلى العدالة والشفافية وروح التعاون البناء? ويبقى السؤال الأهم, لماذا تطبق أنظمة خاصة على شركات محدودة المسؤولية تعمل في مضمار التدريب الإعلامي ويطلب منها دفع ضرائب دخل على تعاملاتها كافة بينما تعفى أخرى من ذلك تحت مسميات متعددة, وتسهل لها عملية الحصول على منح وتمويل خارجي عبر وزارة التخطيط? أم أن قطاع الإعلام المقدس بات آخر المستفيدين من زمن تداخلت فيه حدود القطاعين العام والخاص على أسس من الفوضى الخلاقة?
(الصحافية كاتبة المقال تدير شبكة أريج "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" ومقرها عمان منذ عام 2005).0
rana.sabbagh@alarabalyawm.net